الليل، سمعوا من داخل الخركاه هدّة عظيمة، ودويا عظيما، وقعقعة كأجنحة طائر عظيم، وحسّ لم يعهدوا بمثله قط قبل ذلك اليوم، وقائل يقول بلسانهم، ما هذا صفة تفسيره:«جكزخان صاحب الزمان، وملك الأوان، ومخرب البلدان، وقاتل الشيوخ والولدان، فكونوا له أعوان، تكونوا فى أمان». وبرزت قصعته مأكولة بكمالها إلى ناحية المشرق بكماله، وتبقى منها جنب إلى ناحية المغرب لم يؤكل. قال: فعند ذلك نهض القوم بأسرهم وأجلسوا جكزخان، وضربوا له جوك. فأمر عند ذلك أن يجتمعوا جميعهم من الرجال النافعة للحرب، فكان عدتهم أربعة آلاف رجل كالأسود فى قطع البخاتى عظم خلق. غير أنهم لم يكن لهم ما يلبسونه، ولا سلاح يقاتلون به، ولا خيلا يركبونها، إلا عدة ثلثمائة وستين فرس، منهم ثمانين فرس من نسل أصل فرس كان لجدهم تتارخان بيغو، صاحب الصبرغى. وكان لما يتردد إلى الجزائر التى فى تلك البحيرة، وجد فى جزيرة من بعض تلك الجزائر المحاذية للجبل قراطاغ، فرسا وحشيّا ذيله تسحب على الأرض، وعرفه يطل على ركبتيه، وهو يضرب الأرض بحوافره، فتقدح نارا. فاحتال عليه أن صنع له حفيرة أوقعه فيها.
ثم إنه أقام حولا كاملا يؤانسه ويطعمه ويسقيه حتى تأنّس به. ثم أطلعه من تلك الحفيرة، وأحضره إلى أهله. ثم أقام حولا ثانيا حتى ركبه. وكان هذا الفرس تسبق الريح، وتلحق عليه ما شاء من أصناف الوحوش، يقتل الأسود بحوافره ويديه، لا يصعب عليه وعرا ولا جبلا. إذا جاع يحفر الأرض بحافره ويأكل أصول الأشجار.
وإن لم يجد أكل الحصى، روثه أشد من الصخر قوة وصلابة. وكان لا يطيق يركبه غير تتارخان بيغو صاحبه. وكان اسم هذا الفرس أط أطن، أى فرس النار. فنسل عندهم فى ذلك الوقت الذى تجمعوا فيه ثمانين فرسا عن بنى تتارخان بيغو يتوارثونه كابرا عن كابر. قال سليمان: وقيل إن هذا الفرس كان يكلم صاحبه، ويفهم ما يأمر له به.