فلما اجتمعوا على كلمة واحدة، ونظرهم جكزخان، سرّ بهم. ثم إنه نفّذ إلى صاحبه الحداد الذى كان يتردد إليه بمدينة أيدرماق رجلا من دهاة قومه، وأمره أن يتجسس له أمور الملك ألطن خان، وما قد عزم عليه. فغاب أياما ثم رجع، فأخبره أن كمش خان لما رجع ووصل إلى أبيه عرّفه ما كان من بيشخان وإخراقه ناموس الملك، فعظم على ألطن خان، «وها هو ينفذ إليكم يلجيا-يعنى بريدا-يطلبكم إليه فلا تسمعوا، فإنكم إن أتيتم إليه لا يبقى على أحد منكم». فلم يكن بعد ذلك إلا أيام قلائل وحضر إليهم يلجى فى سبع مائة فارس، يأمر جكزخان وسائر بنيه وكبار عشيرته بالقدوم إلى باب الملك ألطن خان، فأنزلهم وأكرمهم. فلما كان الليل نفذ لكل رجل رجلا من قومه، فقتلوهم عن بكرة أبيهم يد واحدة، فكان هذا أول دم أراقته التتار فى الدنيا.
ثم أخذوا خيولهم وعددهم وسلاحهم، وفرّق جميع ذلك على أعيان قومه. ثم أنفذ ذلك الرجل الجاسوس إلى الحداد المقدم ذكره، يكشف له ما يتجدد من أمور ألطن خان، فعاد وأخبره أن ألطن خان بلغه ما فعلتم بيلجيه، وقد جهز إليكم خمسين ألف مدرع، وأمرهم بأخذكم أشد أخذ. فعند ذلك جمع كبار قومه، وعرفهم ذلك، فقالوا:«كيف لنا بخمسين ألف لابس، بخيول وسلاح وعدد، ونحن كما ترانا؟». فقال:
«لا بأس عليكم إذا نحن صاففناهم. فعند أول حملة انهزموا وتسلّقوا فى جبلكم هذا.
فأنتم تخبرون مسالكه ووعوره، فإنهم لا يتبعونكم فيه، لما فى أنفسهم منه ومن دغله وكثرة وحوشه. ثم إن نحن لم نكن على بالهم بشئ، وهم أهل لذة وأكل وشرب. وينظروا إلى هذا المكان وطينته، وهذه الأرض وحسنها، ولذة هوائها، ونضارة زهرها. وهم أهل لذة، ولا يفارقهم الخمر. فإنهم سينزلون بها لا محالة، لقلة اكتراثهم بنا، فيأكلون ويشربون، ويمرحون إلى الليل، فينامون سكرى، فحينئذ ننزل عليهم، فلا نبقى منهم باقية». قال سليمان: فكان الأمر كما قدر، ولا أخرم عليه فى حسابه القضاء والقدر، فقتلوهم عن آخرهم، واستعانوا بخيولهم