لئلا يقال عنى بين الملوك أنى مشيت لأنظر بعض نعم الدنيا، وما عند الله خير وأبقى.
وإنما اطلب الزعماء من جيوشنا، وسلم عليهم من جهتنا، وافرش تحت أقدامهم ما اعتديته لنا من أن تفرشه تحت أقدامنا. وأوقفهم على جميع ما عندك من جميع ما فى هذه الخزائن. وقل لهم: الملك يسلم عليكم، ويقول لكم انظروا ما اجتمع فى هذه الخزائن من الأموال التى تحصلت بمضارب سيوفكم. وجميعه فهو لكم. وإنما الملك فيه كأحدكم فليأخذ من شاء ما شاء. ولا تمنعهم شئ يأخذوه، ولو فرغوا الخزائن بكمالها».
قال: فخرج الخازن وجمع الزعماء وأتى بهم إلى الخزائن، وفعل ما أمره به السلطان، وأدّاهم رسالته إليهم-وكانوا ستمائة زعيم. قال: فلما فرغ الخازن من قوله، استقبلوا القبلة، وسجدوا، وقالوا:«هذا شكر لله عز وجل على ما خولنا من نعمه فى أيام مولانا السلطان ملك الإسلام». ثم استقبلوا مكان سرير الملك وقبلوا الأرض، وقالوا:«وهذه لإنعام السلطان علينا، وبره بنا، وحسن ظنه ويقينه فينا».
ثم ولوا خارجين. ولم يلتمس أحد منهم شيئا، قلّ ولا جلّ، وقالوا:«عرّف مولانا السلطان أن نحن رعيته، وعبيد سلطانه، وأن نحن نعلم من شفقته علينا، وبره وكرمه، أضعاف ما ذكره، وما رسم به. وهذا المال فهو لنا. وإذا احتجنا إليه سألنا مراحمه فيه.
وأحق ما كان مدخر لنا عنده وفى خزائنه. وعندنا من إنعامه وصدقته ما يكفينا ويزيد.
وإن رسم حملناه إلى هذه الخزائن ليكون مضافا لما هو مدخر لنا». قال محمد بن عبد الرحيم:
فو الله ما أدرى أيهم أكرم طباعا ولا أغزر مروءة، السلطان فى سماحة نفسه بتلك الأموال الجمّة التى لم يسمح بها ملك قط، أم الزعماء وشرف أنفسهم الأبية.
فلله درّهم، من ملك جواد، وزعماء أجواد.
قال محمد بن عبد الرحيم البلخى: ولما طالعت هذه الحكاية، عادت فى نفسى، وقدر الله تعالى أن الملك العادل نور الدين محمود بن أتابك زنكى-صاحب الشام-أنفذنى