للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسولا إلى ملك الروم كيكاوس بن السلطان الغالب بن مسعود بن قليج أرسلان ابن طغريل بك بن ملكشاه السلجوقى، فاجتمعت به فى ملطية. وكان ملكا فاضلا، عالما، سخيا، من نسل هؤلاء الملوك السادة المذكورين. وله معرفة بأشعار العرب، وعلم المنطق، والجدل، قال: فلما حضرت بين يديه، رآنى حسن الحديث والمنادمة. وحسّننى الله فى عينه، فأحضرنى ذات يوم فى مجلس الشراب والمنادمة، فأخذ البرواناه الذى قدامه يصف علو همة السلطان وكرمه. ثم ذكر ماله من البلاد، وما عنده من الأموال والخزائن، وما ورث من آبائه وجدوده ملوك السلجوقية.

قال: فذكرت تلك الحكاية المنقولة عن جده ملكشاه، فقلت فى نفسى هذا وقتها، فأحكيتها، وزمكتها، ولطفتها. قال: فوالله لقد رأيت الملك كيكاوس وقد أخذته الأريحية لها، وبان فيه السرور، وطرب حتى رأيته خرج عن فرشه الى نحوى، وهو لا يحس بنفسه لإعجابه بهذه الحكاية، ثم تراجع إلى رتبته. وكان بين يديه طبق من ذهب فيه تماثيل من ذهب مرصعة، وتماثيل من عنبر، ومن أنواع الطيب.

قال: فأشار إلى الساقى، فوضع ذلك بين يدى، ولم أعلم لأى شئ وضعه بين يدى.

فما تكلمت، فقام أمير مجلس وغمزنى، فأتيته، فقال: «لم خدمت الملك وقمت بواجب إنعامه عليك». قال: فعلمت أنه أنعم علىّ بذلك، فرجعت وقبلت الأرض بين يديه.

ثم قبلت يده. قال: فتبسم وأنشد:

نحن قوم تجرى السلاطين منا ... فى العطايا على النجار القديم

لم تجد عندنا غير أريحىّ ... أو شجاع أو عالم أو كريم

فهم آل سلجوق منتهى التبج‍ ... يل فى العالمين والتعظيم

ثم قال: «انظر إلى تلك الصورة». قال محمد: فنظرت إلى صورة فى صدر ذلك المجلس عن بعد، وهى صورة سلطان جالس على رأسه تاج مرصّع بالجواهر. قال:

«يا محمد! هذه صورتى، وقد جرت العادة منا كل سلطان يقوم تصوّر صورته فى هذا المكان. وكان أبى قد جعلنى ولىّ عهده، فصوّر صورتى فى حياته لمحبته لى». ثم أمر