فأتاه أحد أمرائه، وقال:«قد تمنينا دهرا أن نرزق يوما نفرح فيه مثل هذا اليوم.
وأنت جالس!». ولم يزل به حتى ركب، وقطع النهر، وكان آخر النهار. فلما شاهد التتار السواد الأعظم، تجرد جماعة من شجعانهم، وكمنوا لهم وقد أجنحت الشمس للغروب. ثم خرجوا على السلطان يدا واحدة، كالنار المحرقة، والصاعقة المبرقة.
وكان خروجهم على ميسرة السلطان، فلم يكن بأسرع أن زالت الأقدام وانهزموا.
ولم يبق مع السلطان غير ثلاثة نفر، وهم: كوج تكين، وبهلوان، وخان بردى.
وقتل من الأمراء أياخان، وكندكين. وماج الفريقان بعضهم فى بعض كالجراد المنتشر. وأسر فى ذلك الوقت علاء الدولة والحاجب الكبير. وثبت السلطان جلال الدين فى القلب، وقد تبدد شمله، وانحل نظامه، وتفرقت جيوشه وأعلامه، وأحاطت التتار به من كل جهة، فصار المخلص من تزاحم الأخلاط أضيق من سم الخياط. ولم يبق معه غير أربعة عشر نفر من خواص مماليكه، فانهزم بعد ذلك وقد طعن طعنة ما سلم منها إلا بحراسة الأقدار وتحصين الأجل. ثم أفرج له المضيق عن سعة الطريق، فمرق من بين الجيوش والأطلاب مروق السهم والنشاب. وتفرقت جيوشه فى الأقطار كل فرقة تطلب إقليما للنجاة، فمنهم من وقع إلى فارس، ومنهم من امتدت به الجفلة إلى كرمان، ومنهم من قصد أذربيجان، ومنهم من دخل أصبهان. وعادت ميمنة السلطان بعد يومين وهم يظنوا أنهم منصورون. والتتار أيضا أكثرهم انهزم، ولا رجع إلا بعد مدة. فلم يسمع بمثلها وقعة لانهزام الفريقين.
وهمت عامة أصبهان أن يمدوا الأيدى إلى عورات نساء الخوارزمية وإلى أموالهم، فمنعهم القاضى والرئيس من ذلك. وكان هذا المصافّ فى الثانى والعشرين من شهر