ابن عنين هجاء خبيث اللسان، فشرع يفعل عنده ما كان يفعله فى مجالس المعظم، فنهره الأشرف، فخرج من عنده مكسورا فقال:
وكنا نرجّى بعد عيسى محمدا ... لينقذنا من شدة الضّرّ والبلوى
فأوقعنا فى تيه موسى كما ترى ... حيارى فلا منّ لديه ولا سلوى
فبلغ الأشرف، فغضب، وأمر بقطع لسانه. فدخل عليه جماعة، فحلف لا بد من قطع لسانه، فحلفوا له أنه لم يقل هذا، وإنما الأعداء تقوّلوا عليه. فقال الأشرف:
«هذا ما يسلم أحد من خبث لسانه، ولا بد من قطعه». فهرب ابن عنين إلى بلاده بزرع وحوران، وتغافل الأشرف عنه.
وفى أول شهر ذى القعدة راسل السلطان جلال الدين الإمام المستنصر بالله، وسأله أن ينعم عليه بلباس الفتوة. وذلك أن جلال الدين كان قد قصد مشهد الإمام على رضى الله عنه. وكان نقيب الفتوة يومئذ الجلال عبد الله بن المختار، فاجتمع به ورغبه فى ذلك. فأجاب الخليفة سؤاله، ووكل الإمام المستنصر بالله فخر الدين أبا طالب أحمد ابن الدامغانى فى الفتوة، ونفّذ معه الشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن شيخ الشيوخ.
وسيّر معهما التشاريف والخلع، وأصحبهما بالأمير سعد الدين بن الحاجب على، فوصلوا إلى السلطان جلال الدين وهو على أخلاط محاصرا لها، فألبسوه الفتوة وتشاريف الخلافة، ودخل تحت الطاعة.
وفيها قصد ملك بكران وبلاد سيف، البحر وركبه، وقصد جزيرة