فى جملة تحف أخر. فلما وصلت إليه افتتن بها، وعاد لا يفارقها غمضة عين، وعاد يقرأ فيها ليلا ونهارا. ثم إنه كان كل ما تصفح أوراقها وضع يده فى فيه وعلى لسانه، فعمل فيه السم. وتحقق أن ذلك من السلطان وعلم أنه ميّت لا محالة، فأخفى أمره وطلب الصنّاع، وعمل سرج ما رأت الناس مثله، نفّد عليه عشرة آلاف دينار. وسمّ الميّترة التى للسرج، وتركه فى خزانته، وتوفى إلى رحمة الله تعالى. فلما بلغ السلطان ذلك، ركب من فوره، وتسلم صرخد، وأخذ سائر أمواله وذخائره، وأباع مماليكه وجواريه بأقل الأثمان، وأباع فى الجملة أم الوالد، وهى حامل به من الأمير عز الدين، فاشتراها رجل من أهل صرخد من كبارها، يقال له عمر بن الأسعد، وكان دينا، واستبرأها فوجدها حاملا. وكانت تسمى كمش خاتون، خطائية الجنس.
فولدت الوالد عند ذلك الرجل، ورباه كالولد إلى هذه السنة، التى أخذ السلطان الملك الظاهر فيها صفد، وهى سنة أربع وستين وستمائة. وكان الأمير حسام لاجين الدرفيل مملوكا للأمير عز الدين أيبك وهو طفل صغير. وكانت هذه كمش خاتون قد ربّته عندها مثل الولد، فأبيع أيضا الأمير حسام الدين الدرفيل مع من أبيع، وتنقل به الحال إلى أن عاد دوادار السلطان الملك الظاهر. فلما كان سنة فتح صفد-الآتى ذكرها-والسلطان بدمشق، حضرت الصراخدة بتقادم للأمير حسام الدين الدرفيل، وأحضروا له الوالد، وهو يومئذ ابن سبعة عشر سنة، فعرف له حقّه وربّاه كالولد.
ثم ارتجع الوالد من عند الأمير حسام الدين إلى بيت السلطان الملك الظاهر، فى حديث طويل. ثم إن السلطان أنعم عليه بإقطاع عبرة ألفى وأربع مائة دينار، وسلمه للأمير سيف الدين بلبان الرومى الدوادار، وقال له:«علمه وخليه يمشى معك». فعرف الوالد بالدوادارى. ثم إن السلطان الشهيد الملك الأشرف خليل بن قلاوون أعطاه تقدمة.
ثم إن مولانا وسيدنا السلطان الأعظم الملك الناصر أمّره وولاه بلبيس والعربان،