للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاحتراز فى قاعة تعرف بقاعة ابن لقمان، ومترسم عليه خادم فظ غليظ يسمى صبيح، فكان أشد على الفرنسيس من كل شئ، وجرت له مع الفرنسيس أمور كثيرة- حتى قال الفرنسيس للأمير حسام الدين بن أبى على: «سألتك بدينك ألا ما قتلتونى وأرحتونى من حس هذا الخادم ونظره، فإنه أصعب علىّ من كل ما أنا فيه». وكذلك جرى للأمير حسام الدين بن أبى على مع الفرنسيس محاورات، من جملتها أنه قال له يوما فى جملة كلام: «أنت رجل عاقل، وملك عظيم الرأى، رزين الرأس، وفعلت بنفسك ما لا يفعله المجانين». قال: «وكيف ذلك يا حسام الدين؟». قال: «غررت بنفسك وأموالك وجيوشك وركبت هذا البحر المهلك، وتأتى إلى مثل هذا الإقليم العظيم، الذى فيه هذا العالم الكثير، فإن سلمت من البحر وغرقه، لم تسلم من هذه الطوائف العظيمة. ونحن فى ملتنا إن أى من ركب البحر مرّة بعد مرّة لا يقبل الحاكم له شهادة». قال: فضحك الفرنسيس، ورفع رأسه إلى الأمير حسام الدين، وقال: «وكيف ما يقبل شهادته؟». قال: «فإنه يكون ناقص العقل، ومن كان ناقص العقل لا تقبل شهادته». قال الراوى: فاستغرق الفرنسيس فى ضحكه، ثم قال: «والله لقد صدقت، ولقد صدق قائل هذا الكلام من قبلك». ثم وقع الاتفاق على تسليم دمياط، ويفرج عن الفرنسيس ومن معه من أصحابه.

فلما طلع السنجق السلطانى على دمياط، ورفع على الأسوار، وتسلمها المسلمون، أطلقوا الفرنسيس وجميع من كان معه، وركبوا من ساحل دمياط إلى عكا. وفى ذلك يقول القاضى جمال الدين بن مطروح، وهى القصيدة المشهورة التى من جملتها يقول:

قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال ذى نصح وقول صحيح