للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان لما فتح الله تعالى على يديه أمر ان تكتب البشاير بدلك، فكان من جمله (١١٥) دلك كتاب الى صاحب انطاكيه، وهو يوميد مقيم بطرابلس، ودلك انشاء القاضى المرحوم فتح الدين بن عبد الظاهر-رحمه الله-ما هدا نسخته:

«بسم الله الرحمن الرحيم. قد علم القومص الجليل المبجّل، المعزز الهمام الأسد الضرغام، بيمند فخر الأمة المسيحية، رييس الطايفة النصرانية (٥)، كبير المله العيسوية، ألهمه الله رشده، وقرن بالخير قصده، وجعل النصيحة محفوظة عنده. ما كان من قصدنا اطرابلس وغزونا له فى عقر الدار، وما شاهده بعد رحيلنا من إخراب العماير والاعمار. وكيف كنست تلك الكنايس على بساط الارض، ودارت الدواير على كل دار، وكيف جعلت تلك الجزاير من الأجساد على ساحل البحر كالجزاير، وكيف قتلت الرجال واستخدمت الأولاد وتملكت الحراير، وكيف قطعت الأشجار ولم نترك إلا ما يصلح للأعواد (١١) المناجنيق إنشاء الله والستاير، وكيف نهبت لك ولرعيتك الأموال والمواشى، وكيف استغنى الفقير وتأهّل العازب، واستخدم الخديم وركب الماشى. هذا وأنت تنظر نظر المغشى عليه من الموت، وإذا سمعت صوتا قلت فزعا: علىّ هذا الصوت.

وكيف رحلنا من عندك رحيل من يعود، وأخّرناك وما كان تأخيرك إلاّ الى أجل معلوم معدود، وكيف فارقنا بلادك ولا بقيت بها ماشية إلا وهى لدينا ماشية، ولا جارية إلا وهى لدينا جارية، ولا سارية إلاّ وهى فى أيدى المعاول سارية، ولا زرع إلا وهو محصود، ولا موجود لك إلا وهو مفقود، وما منعت المغاير التى هى روس (١٧) الجبال الشاهقة، ولا تلك الأودية التى هى فى التخوم مخترقة وللعقول خارقة، وكيف سقنا عنك ولم يسبقنا إلى مدينتك انطاكية خبر، وكيف وصلنا إليها (١١٦) وأنت لا تصدّق أن نبعد عنك وإن بعدنا فسنعود على الأثر.


(٥) النصرانية: فى النويرى، نهاية الأرب (مخطوطة مصورة بدار الكتب المصرية رقم ٤٩٥ معارف عامة)، ج‍ ٢٨ ص ٩٤ «الصليبية»؛ انظر ملحق ٢ لكتاب السلوك للمقريزى، ج‍ ١ ص ٩٦٦ - ٩٦٩، حيث نشر د. زيادة هذا الكتاب
(١١) للاعواد: لأعواد--انشاء: إن شاء
(١٧) روس: رؤوس