حتى عاد كأخيه شقيقه، هذا وحاذق يقوم بأداء الفرض، من دعاية وتقبيل الأرض.
ثم إنّ الملك قال: أيّها القاضى الفاضل، والبارع الكامل، إنّ أنفسنا كانت إلى لقائك تتوق، وأنا إلى مشاهدتك مشوق! فقال حاذق: هذه عوائد أنفس الملوك الحكماء الكرماء، أن يتوق إلى مشاهدة العلماء الحكماء، فقال الملك: محلّك عندنا محلّ الولد الشفوق، والأخ الصدوق، فنهظ (١) حاذق وقبّل الأرض بين يديه، وأثنى بما يليق به عليه، فقال الملك: خفّف عليك أيّها القاضى الفاضل، والرئيس الكامل، والعالم العامل، فإنّ كلّ الناس أحقّاء بالسجود لله عزّ وجلّ وأحقّهم بذلك من رفعه الله عن السجود لأحد من خلقه، وقد فهمت أنّ سجودك هذا إنّما هو لله شكرا لما أولاك من فضله، ومن عليك من طوله، فإنّنى جعلت مجلسى هذا للقبلة، ليكون السجود كلّه لله!
(٣١٨) فقال حاذق: لست ممن أشكّ فى فضل الملك ودينه، وحسن اعتقاده ويقينه، وأنت السلطان، العظيم الشان، الكثير العدل والإحسان، المتواضع عن رفعه، والعفو عن قدره، المستحقّ فى هذا الزمان قول معاوية بن أبى سفيان:
إنّى لآنف أن يكون فى الأرض جهل لم يسعه حلمى، وذنب لم يسعه عفوى، وحاجة لم يسعها جودى، ونحن الزمان من رفعناه ارتفع، ومن وضعناه اتّضع.
وكان يقال: أخلق بدم المستخفّ بالملوك أن يكون جبّارا، فإنّ الملك خليفة الله فى بلاده وفى عباده، ولن يستقيم أمر خلافته مع مخالفته، والسلطان ظلّ الله فى الأرض، يأوى إليه كلّ مظلوم، ويأمن به كلّ خائف، ومن عصى السلطان.
فقد أطاع الشيطان، وفساد الرعيّة بلا ملك كفساد الجسم بلا روح، وقد قيل: