للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر أيضا نور الدين المذكور بحضور الصدر جمال الدين بن سعادة الكارمىّ، وكان قدومه من اليمن وصدّقه على جميع ذلك، وقال: إنّ فى سنة ثمان وتسعين وستّ ماية قام شخص يقال له الشيخ محمد ويكنى أبا عبد الله بأرض الحبشة، واجتمعوا إليه عالم عظيم. وقال لهم: إنّ الملايكة تكلّمه وأنّهم قد أمروه بفتح بلاد الحبشة. -فاجتمع عليه مايتى ألف رجل. فعند ذلك جمع الأمحرا ملك الحبشة جميع جيوشه، فكانوا نحو من أربع ماية ألف فارس وراجل. وخرج لملتقى الشيخ محمد المذكور. وشرع ملك الحبشة فى الباطن يراسل أصحاب الشيخ محمد ويفسدهم بالمال، فجاءوا إليه كبار جموعه وقالوا له: نريد منك برهانا (٩) عمّا تدّعيه من كراماتك حتى تطيب قلوبنا ونقاتل معك وبين يديك بقلوب طيّبة، فقال لهم: أنا أدع الملايكة تكلّمكم من البير الفلانىّ. فلمّا انفضّوا من عنده على ذلك أمر بعض الخصيصين به أن يصنع له فى تلك البير مكانا فى جانبها ويختفى فيه، ويجاوب الشيخ بما أوصاه به. فلمّا تهيّأ أمره نفذ الشيخ إلى أعيان القوم المطالبين له بالبرهان فى جمع كثير من جماعته. فلمّا وصلوا إلى تلك البير تقدّم الشيخ إلى عندها وقال: يا ملايكة ربّى، أو قال: يا جبريل، ما أنا على الحقّ؟ -فجاوبه ذلك الرجل الذى رتّبه فى أسفل البير: نعم، أنت على الحقّ المبين، والويل كلّ الويل لمن خالفك أو ناوأك. -ثمّ أمره ونهاه بما قررّ معه من الكلام ساعة زمانيّة والناس يسمعون. فلّما علم أنّهم طابت نفوسهم وصفت قلوبهم له قال لهم: ما تقولون؟ -قالوا: يا سيّدنا، ظهر لنا صدقك، ونحن نستغفر الله من تعرّضنا عليك بما طلبناه منك. -فقال:


(٩) برهانا: برهان