للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال المجيرىّ: فسحبونا من بين يديه سحبا عنيفا، وخرجنا. وقالوا لنا: أوصوا بما تختاروه لأهلكم! -قال المجيرىّ: فقمت أتوضّأ للموت، وقام القاضى عماد الدين أيضا. فسمعت حسّ طقطقة أسنانه وهو يرعد كالقصبة فى الريح البارد، قال: فتبسّمت. -فقال لى: يا حسام الدين، هذا وقت الضحك؟ -فقلت: يا قاضى {قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا} (٦)

قال المجيرىّ: وكان من سؤال غازان لنا قبل ذلك: كم يكون فى عسكر مصر مثلك تركىّ؟ -قلت: نيّف وعشرة آلاف. -قال: فالتفت غازان إلى أمير علىّ بن كرابك (٩) بن بركة خان وكان بعيدا منه، فطلبه وقال:

تسمع ما يقول، صحيح قوله؟ -وكان قد سمع قولى، فقال: وحقّ رأس القآن! ما قال صحيح، ما فى عسكر مصر مثله خمسة نفر. -فقال لى:

اسمع قوله! -قلت: ومن هو ذا؟ فإنّى لا أعرفه. -فقال: هذا أمير علىّ ابن بركة خان الذى كان عندكم. -فقبّلت الأرض وقلت: يحفظ الله القآن! الذى قال هو غير الصحيح. وهو من جملة الذين ما رضى مولانا السلطان يستخدمه فى عسكر مصر. وأعطاه أربعة آلاف درهم فى حلب.

ثمّ تشفّع بالأمرا حتى أنعم عليه بعشرة فى حلب. ولو وجد أربعة آلاف درهم فى مصر ما هرب إليكم. -قال: فالتفت إليه وقال له: يا علىّ، أنت من عسكر مصر أو من عسكر الشأم؟ -قال، فسكت. فقال غازان: ما قال لنا إنّه إلاّ من عسكر مصر. -فقال المجيرىّ: وحقّ رأس القآن، هو أقلّ من فى عسكر الشأم بحلب، لا بدمشق، وإن كان من مصر يخرج


(٦) السورة ٩ الآية ٥١
(٩) ابن كرابك: بالهامش