للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسلموه لمنكر ونكير. فركب فى ذلك التأريخ المذكور، وكان أيشم الشهور، ولقّب بالملك المظفّر، ولم يعلم أنّه عاد فريسة ذلك الليث الغضنفر (٢).

ولقد عاينته لمّا خرج من دار النيابة راكب، والخمول قد حفّ بتلك الأكتاف والمناكب، وقد ظلله سواد بقتام، حتى عاد كأنّه راكب فى ظلام.

ولقد-شهد الله-سمعت عدّة من الناس فى ذلك الوقت تقول: انظروا ما على أكتاف هذا الرجل من الخمول! -ولقد كان فى حال إمرته أهيب، ولو امتنع عن هذا الأمر لكان له أصوب. وإنّما كيف كان له فى نفسه تصريف أو تدبير، وقد سبقت بهذه الأحكام المقادير؟ ولم يزل راكبا والأمرا (٩) بين يديه مشاة، والغاشية محمولة بين يديه بغير غشاة. ودخل من باب القلّة كذلك حتى نزل فى منزله نزول الملوك، واستمرّ على ذلك السلوك، حتى جلس على تخت الملك ببرج الطارمة، وقلوب أكثر الجيوش متألّمة. هذا وهو قد بلّ لحيته بدموعه، وتحقّق أنّه أوّل يوم من أيّام قطوعه، وأنّ هذا منتهى سعادته، وآخر سيادته. ثمّ إنّ الأمرا اصطفّوا وقبّلوا الأرض بين يديه وزعق الجاويشيّة، فكان ذلك كأنّه نواح عليه. وأخلع فى تلك الساعة على الأمير سيف الدين سلاّر خلعة النيابة. هذا كلّه بعد التحليف بدار النيابة، واستمرّ التحليف ذلك اليوم والثانى والثالث. وما من حالف حلف إلاّ وتحقّق أنّه ناكث، وفى أيمانه حانث

وتوجّهوا الأمرا على البريد المنصور، لتحليف أهل القلاع والثغور.

فكان المتوجّه إلى الشأم المحروس عزّ الدين أيبك البغدادىّ وسيف الدين


(٢) الغضنفر: الغظنفر
(٩) والأمرا: والمرآ