للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صحّ عندك من حديثه، يا جمال الدين؟ -فقال: والله، يا خوند، الحق أبلج والبدوىّ صادق، ما فيه شكّ. والأمير بحمد الله ملك، وعقلك يوازن الجبال. والمصلحة تقتضى أن تبادر أمرك فى مصلحة يعود نفعها عليك، والرأى رأى الأمير. -فقال: والله، يا جمال الدين، أنا أعرف دينك وأمانتك، ولا أشكّ فى نصحك. وأنا علمت أنّ من أوّل يوم جلس هذا الرجل أنّه ما يفلح يعنى عن بيبرس. -فقال الوالد: يا خوند، الأمور بيد الله تعالى ولا لأحد تصريف، والملك ملكه يهبه من يشا. -فالتفت إلى مماليكه، فأشار إليهم، فخرجوا الجميع، وأنا فى جملتهم، وتحدّث مع والدى ساعة. ثم طلبنى فدخلت، فأنعم علىّ بخمسين دينار ولبّسنى بغلطاق نارنجى بسنجاب. وخرجنا من عنده

فسألت والدى: أيش تحدّث معه؟ -فقال: قال لى، يا جمال الدين، والله كلّ هذا عمايل سلاّر وهو سبب هذه الفتنة أوّل وآخر. فلا جزاه الله خيرا (١٣)! أيش عندك من الرأى، فأنت قرناص ومملوك مصر قديم؟ فلا تغشّنى بدين الإسلام. فأنا وأنت فى هذا الوقت شى واحد، والنصح من الإيمان، -قال. فقلت (المستشار مؤتمن) (١٥) والله ما عندى من الرأى غير ركوبك فى هذه الساعة وتوجّهك إلى خدمته. فإنّ هذا الجيش جميعهم ما يعوقهم سواك. وو الله، يا خوند، لا تظنّ أنّ معك منهم أحدا (١٨) إلاّ بالظاهر ولا ينتظرون إلاّ حتى تقع العين فى العين، وقد توجّهوا الجميع إلى الملك الناصر. وهذا رأيى، وقد نصحتك والسلام. -فقال لى: جزاك الله خيرا (٢٠)، والله العظيم، كأنّك مطّلع على ما فى باطنى، وهذا عزمى إنشا الله تعالى. فاخرج واكتم هذا الأمر! -قال والدى: ثمّ طلبك


(١٣) خيرا: خير
(١٥) «المقاصد الحسنة» حديث رقم ١٠١٩
(١٨) أحدا: احد
(٢٠) خيرا: حير