للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحصل له من الذلّ والانكسار، ما ظهر عليه وبان، ممّا لحقه من هيبة مولانا السلطان، التى شاعت فى الأقطار حتى أعلنت بذلك الركبان، وتعلّقت بأجنحة العقبان. قال: فخلا بالأفرم وقال له: ما عندك من أخبار مصر والسلطان الملك الناصر؟ -فقال: أمّا أنا فقد شغلنى شرب الراح، ورشف الأقداح، ومغازلة الملاح، عن سماعى للأخبار الصّحاح. فما عندك من الأخبار؟ -فقصّ عليه القصص، وهو يتجرّع الغصص، فقال الأفرم: يامير شمس الدين، هذا ملك لله به عناية، ولا بدّ له فيه نهاية، ومن كانت لله فيه إرادة، فنهايته إلى السعادة. -فقال قراسنقر:

ما كنت أظنّ أنّ الأحوال بعدنا تستقيم، والملك لا شكّ عقيم. ونحن فكنّا ظالمين، فلقّانا ونصره علينا ربّ العالمين، ولا نعلم ما يكون من أمرنا مع هؤلاء الملاعين، الذين ليس لهم قول ولا دين، فلا حول ولا قوّة إلاّ (١٢) بالله العلىّ العظيم

قلت: ولقد حدّثنى من أثق بقوله: أن كان أكبر أسباب توجّه الأفرم إلى قراسنقر وعبوره معه إلى البلاد، أنّه كان سيّر إلى الشيخ صدر الدين بن وكيل بيت المال المعروف بابن المرحل المقدّم ذكره وشئ من رقيق شعره فى الجزء السابع من هذا التأريخ، وهو يقول له: تكشف لى الأخبار بمصر، وما يكون من أمرى، وتكتب إلىّ بذلك ملغزا. قال: فكتب إليه يقول <من الطويل>:

أيا جيرة بالقصر كان لهم مغنى ... رحلتم فعاد القصر لفظا بلا معنى

وأظلم لمّا غاب نور جماله ... وقد كان من شمس الضحى نوره أسنى

يعزّ علينا أن نرى الدار بعدكم ... وما نحن فيها سادتى مثلما كنّا


(١٢) الا. . . العظيم: بالهامش