للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ربّما (١) ... تجزع النفوس من الأم‍

ر له فرجة كحلّ العقال

فلمّا كان بين الصلاتين وقع الحمام محلّقا (٢) من الرحبة. وبعد العصر حضر مملوك الأمير بدر الدين بن الأزكشىّ نايب الرحبة على البريد المنصور يبشّر بهروب التتار، ورحيلهم عن الرحبة إلى نحو الديار، وأنّ القلعة سالمة بحمد الله تعالى وبركة النبىّ عليه السلام. وضربت فى تلك الساعة البشاير، وفرح البادى والحاضر، واطمأنّت النفوس بعد الوجل، وطمعت آمال أهل الشأم بطول الأجل، وعادوا الناجعون من الديار، وقد اعتراهم الخجل

وسيّر مملوك الأمير بدر الدين بن الأزكشىّ على حاله صحبة أمير من الأمرا الكبار ليدرك الركاب الشريف قبل حركته من القلعة المحروسة. فلم يلحقوا ذلك إلاّ بمنزلة الصالحيّة. فأبت النفس الشريفة، والهمّة الملوكيّة العالية المنيفة أن تعود، حتى تبلغ من أعدايها المقصود، وقوى العزم الشريف المبارك على ذلك. وقال: لا بدّ من دوس بلادهم، واستيصال أموالهم وأسر أولادهم. وأتبعهم إلى مطلع الشمس، وأتركهم خبرا من الأخبار كالأمس، وأعرّف خدابنداه أن كعب قراسنقر ورفقته عليه من أيشم الكعوب، وإن كان قد رجع هاربا خايفا مرعوب، فليس الخبر كالعيان، ولا السماع كالبيان. -فلمّا نظروا الأمرا إلى هذه النفس الأبيّة، والهمّة العليّة، خشوا إن يعاودوه فى الكلام لا يعود، وتوقّعوا (١٧) من سطواته الشريفة بالانتقام. فلم يجسر أحد على ردّ الجواب، وقالوا بأجمعهم: هذا هو عين الصواب. - فأمر من وقته بالتوجّه إلى الشام، ولا ينطق أحد منهم بحرف من الكلام، للوقت نشرت الأعلام، وهدمت الخيام، ودقّت الكوسات، ونعرت


(١) ربما: بينما--له: لها--كحل: مثل حل. -انظر «نزهة الألباء» ص ٣٢
(٢) محلقا: محلق
(١٧) وتوقعوا: واقعوا؟؟؟