للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا وصلنا إلى قرب الرحبة خرج الأمير بدر الدين والتقانا وأنزلنا وأحضر إلينا رأس بقر ضعيف وقال: والله لم يتركوا التتار عندنا رزقا (٢). - ثمّ إنّ الأمرا كشفوا الأحوال وطلعوا من النقوب التى كانوا نقبوها التتار وخاسفوهم الرحبيّين. ثمّ سئل (٤) الأمير بدر الدين: كيف كان رحيلهم وما سببه؟ -فأحكى أنّه دبّر تدبيرا حسنا (٥)، وإلاّ ما كانت الرحبة من القلاع التى بتعصى على مثل خدابنداه فى تلك الجموع. وذلك أنّه صانع جماعة من كبار الدولة مثل الوزير رشيد الدولة وغيره. وكذلك سيّر إلى مغنيّة كانت حظيّة (٨) الملك خدابنداه تسمّى نجمة خاتون، وهى التى كانت تغنّى بين يديه هيلا ميلا، وكانت عنده ذات (٩) وجاهة كبيرة. وكان هذا الملك خدابنداه ليس من رجال الحرب، وإنّما كان همّته الأكل والشرب والطرب والنساء والملاهى. ولولا حمل واستنهض من قراسنقر ورفقته وخشى الفضيحة أن يورّى فى نفسه العجز لما كان تحرّك بحركة. وكان إذا ركب فى الدجلة السماريات توقد له الشطّين ويعود فى جنوك عجميّة ودفوف وزمور وشبابات طول ليله. فلمّا أن دبّر بدر الدين بن الأزكشىّ ما دبّر وراسل نجمة خاتون وهاداها جلست تلك الليلة ووجهها غير عادته فى حال الرضى. فقال لها خدابنداه: أيش خبرك؟ -فقالت: الله يحفظ القآن، تركنا ورانا مثل دجلة ووقيدها ونزهها وما كنّا عليه من اللذّة والانفساح، وجينا إلى هذا المكان القذر وهذه الرايحة التى إن دامت علىّ (١٨) يومين آخرين متّ. -فقال: يا خاتون، كيف يقال عنّى إنّى نزلت بنفسى على مثل هذه القلعة اللاش (٢٠) ورحلت عنها بغير أخذها؟ -فقال: الله


(٢) رزقا: رزق
(٤) سئل: سأل
(٥) تدبيرا حسنا: تدبير حسن
(٨) حظية: حضيه
(٩) ذات: ذى
(١٨) على: عليه
(٢٠) اللاش: الاش