للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الموايد كأحسن من أوليك الأول. ثمّ أحضر الشراب فشربنا. ثمّ تنادمنا وكان المأمون أحسن خلق الله منادمة، وأرواهم لشعر وأحفظهم (٢) لنادرة وحكاية. ثمّ قالت للمأمون: يا با محمد، هل تروى لإبراهيم الموصلىّ ما كان بينه وبين إبليس؟ -فقال: نعم، حدّثنا إبراهيم بن ماهان بن بهمن بن نسك، ثمّ غير ماهان، فقيل: إبراهيم بن ميمون الفارسىّ الأصل والنسب أبو (٦) إسحاق قال: بينا يوم وقد أردت الخلوة بنفسى وأوصيت بوّابى لا يأذن لأحد علىّ، وخليت بنفسى لأمر أهمّنى إذ دخل علىّ شيخ ألحى (٨) أعور العين اليمنى، حسن البزّة طيّب الرايحة. فسلّم وجلس من غير أن آذنه. ثمّ حادثنى، فأجده أحذق الناس بحديث وأرواهم لشعر وأحفظهم لنادرة. قال: فسرّى عنّى بعض ما كنت قد أضمرته لبوّابى، كونه أذن لهذا من غير مشورتى ولا لسابقة معرفة. وقلت: إن البوّاب أراد يسرّنى بمحاضرة هذا الشيخ، لما علم ما فيه من طيب العشرة. -قال:

ثمّ قال لى ذلك الشيخ: يا إبراهيم، لعلّك تسمعنا شيئا (١٣) من مطرباتك. - قال: فتراجع إلىّ غضبى كونه أسا الأدب علىّ من وجهين، الواحدة تسميته لى بغير كنية، والأخرى استجراه علىّ ويأمرنى بأن أغنّيه. -قال: ثمّ تذكّرت حسن محاضرته وطيب مؤانسته ورجعت إلى مواساة العشرة.

فقلت: سمعا وطاعة. -ثمّ تناولت العود وضربت، أصنع ما كنت قد أحدثته من الاستبداآت وغنّيت <من الطويل>:

وإنى لتعرونى لذكراك قرّة (١٩) ... كما انتفض العصفور بلّله القطر

فيا حبّها زدنى جوى كلّ ليلة ... ويا سلوة الأيّام موعدك الحشر

هجرتك حتى قيل ما يعرف الهوى ... وزرتك حتى قيل ليس له صبر


(٢) وأحفظهم: واحفضهم
(٦) أبو: ابى--بينا: بيننا
(٨) ألحى: اللحى
(١٣) شيئا: شى
(١٩) قرة: بالهامش «نسخة: هزة»