وقد وجدت في هذا الكتاب القبطيّ يقول، وإن كان كلاما لا يصوغه الشرع، ولا نصدّقه نحن، فإنّنا نقوله بطريق التعجّب في ما أوردوه الأوائل في كتبهم: إنّ البودشير بن قفطويم لمّا أجهد نفسه في عبادة الأنوار العالية وعرف روحانيّاتها <وقد صارت فيه>، تهذّبت نفسه، واستغنى جسده عن الطعام والشراب، فلمّا تأمّن ذاك، واشتاقت إليه الأنوار (٩٩) واشتاق إليها، رفعته إلى محلّها الأعلى، ودبّرته من شرور الأرض المؤلمة لأهلها، وجعلته نورا ساميا في نورها، يتصرّف بتصرّفها. فطوباه من كاهن عرفت له كهانته، وأكرم به ملكا نال بغيته.
وقد كانت هؤلاء الأمم كلّهم على التوحيد والمعرفة بالربوبيّة لإله السماء، وإنّما كانوا يقولون: إنّ مدحنا بهذه الكواكب المدبّرات، لا يضرّ خالقها ولا ينقصه في ملكه، وإنّما نعظّمها لتقرّبنا منه، كما قال الهند والجهلة من العرب، كما أخبر الله، عزّ وجلّ، عنهم في كتابه العزيز:{إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى}.
وعمل شدّات في مدّة ملكه أعمالا كثيرة ممّا فاق بها على من تقدّمه، وممّا يطول الشرح في ذكرها، ومن جملتها المدائن التي بالغرب، وعجائبها، وعمل الصنم الذي له إحليل بيده، ما أتاه معقود أو عاجز عن الباه فتمسّح به إلاّ زال عنه ما يشكوه، وكذاك صنع الصورتين الملتصقتين لكثرة التناسل.