رعايته إلى المساء، وإذا بالجارية خرجت وكلّمته واشترطت عليه، فرضي وصارعها، فصرعها وقبض عليها فشدها كتافا. فقالت له: إن كان لا بدّ من أخذي فسلّمني إلا صاحبي الأوّل، فإنّه ألطف بي منك، وقد عذّبته مدّة طويلة. فردّها إليه. فقال: سلها عن البنيان الذي نبنيه، من يقتلعه وما الحيلة فيه؟ قالت: نعم، تعملون توابيت من زجاج كثيف ولهم أغطية، وتجعلون فيها قوما حذّاق بالصنعة في التصوير، وتجعلون معهم صحفا وما ينقشون به، وزادا يكفيهم أيّاما، وتدعونهم في الماء بحبال مشدودة إليكم، وألقونهم في البحر. فإنّهم ينظرون تلك الصور التي تخرج وتهدّم البناء، فيصنعون كهيئتهم، واعملوا لهم أشباها من صفر ومن الحجارة والرصاص، وانصبوها قدّام ما تبنونه (١١٧) من جانب البحر.
فإنّ تلك الدوابّ إذا خرجت ورأت صورها، هربت. فعرّف الراعي صاحبه بذلك، ففعله وتمّ أمر البنيان.
وقال قوم من أصحاب التاريخ: إنّ صاحب البنيان هذا، والتي جرت له هذه الحكاية، هو جيرون المؤتفكيّ، كان قصدهم قبل الوليد، وإنّما الوليد قصدهم وأتاهم بعد حوريا، وقهرهم وملك مصر. وذكروا أنّ الأموال التي كانت مع جيرون المؤتفكي نفدت جميعها في عمارة هذه المدينة حسبما تقدّم من الشرح في ذلك.