أيضا مدّة الزيادة في الديار المصريّة، لاتّصال إمداد السيول من تلك الأودية والبرك. فزيادة النيل تكون لكثرة الأمطار في تلك السنة، ونقصانه لقلّتها.
وكثرة الأمطار من رحمة الله، عزّ وجلّ، على عباده.
وقال أيضا: إنّ هرمس أحكم هذه التماثيل وجعلها ستّة وثلاثين تمثالا. وحكّم لكلّ تمثال ذراع من الماء في الزيادة، وأن تكون زيادة النيل من مبداه ستّة وثلاثين ذراعا وإلى منتهاه ثمانية عشر ذراعا، لتدرك بهذا التقدير منفعة الريّ في البلاد، والأراضي المجاورة له، من مبداه إلى أن يصبّ في البحر الروميّ المالح، ويفترق عند آخره فرقتين: أحدهما ذات تعريجة تنتهي إلى فم رشيد وتصبّ في المالح، والأخرى في الاستقامة إلى فم دمياط وتصبّ في المالح.
وقال جدع بن سنان الحميريّ، صاحب هذا النقل: وإنّ بالنيل سبعة آلاف تعريجة من مبداه إلى منتهاه، وذلك من حكم الله تعالى التي لا تدرك لها غاية. وفائدة هذه التعاريج لمسك زيادة النيل، ليحصل الانتفاع بمسكه. إذ لو كان غير ذي تعاريج لما ظهرت فيه زيادة، لانصبابه في المالح. وعادت الأراضي تنتفع بزيادته، غير أنّه لم يكن يروي سائرها.
فأمر الوليد أن تحفر في الأراضي التي لا يركبها النيل آبار، وتروى على أعناق الأبقار، فحفرت.
واستمرت الديار المصريّة كذلك إلى أيّام الإسكندر المقدونيّ وأرسطاطاليس الحكيم، فصنع بفم دمياط سدّا محكوما غائصا في الماء كهيئة اللاهون بالبحر اليوسفيّ. فعاد يمسك ما كان يصبّ في المالح، وتتراكم الزيادة بالنيل فيطف ويروي سائر تلك الأراضي التي تروى