الرحمن بن غنم الأشعريّ، أنّه قدم من الشام إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال له عبد الله بن عمرو: ما أقدمك على بلادي؟ قال: أنت.
قال: لماذا؟ قال: كنت تحدّثنا أنّ مصر أسرع الأرضين خرابا؛ ثمّ أريك قد اتّخذت فيها الرّباع وبنيت فيها القصور واطمأننت فيها. قال: إنّ مصر قد أوفت خرابها: حطّمها بختنصّر فلم يدع فيها إلاّ السّباع والضّباع؛ وقد مضى فيها الخراب. فهي اليوم أطيب الأرضين ترابا، وأبعده خرابا؛ ولم يزل فيها بركة، ما دام في شيء بركة.
قال: حدّثنا عليّ، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: وحدّثني اللّيث بن سعد، قال: يزعم بعض مشايخ أهل مصر أنّ الذي كان يعمل به لمصر على عهد ملوكها أنّهم كانوا يقرّون القرا في أيدي أهلها: كلّ قرية بكراء معلوم، لا ينقّص عليهم إلاّ في كلّ أربع سنين من أجل الظّمأ. فإذا مضت أربع سنين نقّص ذلك وعدّل تعديلا جديدا، ثمّ يزداد على من يحتمل الزيادة. وكان إذا جني الخراج وجمع، يكون للملك ذلك الربع خالصا لنفسه، والربع الثاني لجنده ولمن يتقوّى به على حربه، والربع الثالث في مصلحة الأرض وما يحتاج إليه من جسورها وعمارة ترعها وحفر خلجها وبناء قناطرها ولقوّة مزارعين أرضها. والرّبع الرابع يخرج من خراج كلّ قرية، فيدفن في أرضها لنائبة تنوب تلك القرية أو جائحة تنزل بتلك الناحية. وكلّ قرية فيها مكان مبنيّ مجبّص مدبّر لدفن ذلك المال فيها، وهي كنوز فرعون التي يتحدّث الناس بها، أنّها (٢٢٢)