جسّاس غلاما فسمّته (٢٥٠) الهجرس، وربّاه جسّاس وأحسن تربيته، وكان لا يعرف له أبا غيره، فزوّجه ابنته.
فبينا هو ذات يوم، إذ وقع بينه وبين رجل من بكر بن وائل كلام، فأربى الغلام على البكريّ في غليظ القول، فقال البكريّ: ما أنت بمنتة حتّى نلحقك بأبيك. فأمسك عنه، ودخل على أمّه كئيبا. فسألت عمّا به، فأخبرها الخبر. فلمّا أوى إلى فراشه ونام إلى جنب زوجته، ابنة جسّاس، وضع أنفه بين ثدييها، فتنفّس تنفّسة تنفّط ما بين ثدييها من حرارتها. فقامت الجارية فزعة قد داخلها رعدة حتّى دخلت على أبيها جسّاس. فقال:
أخبارك يا بنيّه؟ فقصّت عليه قصّة الهجرس. فقال جسّاس: ثائر، وربّ الكعبة!
وبات على مثل الوضم حتّى أصبح. فأرسل إلى الهجرس، فأتاه، فقال: إنّما أنت ولدي، ومنّي بالمكان الذي علمت، وقد زوّجتك ابنتي وحكّمتك في نعمتي، وقد كانت الحرب في أبيك زمانا حتّى كدنا نتفانا عن آخرنا، واصطلحنا وتحاجزنا، وقد رأيت أن تدخل فيما دخل فيه الناس من الصلح، وأن تنطلق معي حتّى نأخذ عليك العهد مثلما أخذ علينا وعلى قومنا. فقال الهجرس: أنا فاعل، ولكنّ مثلي لا يأتي قومه إلا بلأمته وفرسه، فحمله جّساس على فرس، وأعطاه لأمة ودرعا، وخرجا حتّى أتيا جماعة من قومهما، فتقدّم جسّاس وقال: نعمتم صباحا