لأعدائنا، ولا عدت السّبيل إلاّ عند أهلنا. وكان ذلك اليوم قد هلّ شهر شعبان وهم عازمين على المسير من الغد إلى الدّيار. فلمّا نظرت أمّه تماضر إلى أخيها مشدود لطمت خدّها وقالت: وا ذلاّه منك يا قيس! تفعل بخالك فعال الأعداء؟ فقال أبوه: أطلقه يا بنيّ، لأجل أمّك فقال قيس:
وحقّ فالق الأصباح، ومنشئ الرياح، لا أطلقته أو آخذ عليه المواثيق المغلّظة: لا يذكرنا لأحد من الناس، ولا يدلّ علينا الأعداء. فقال أمّه:
افعل لهم هذا يا أخي. فحلف بالأيمان الماكرة على ذلك. ثمّ إنّ أخته زوّدته بشيء من الزاد، وجلبت له في سكوته ناقة لبون. وعاد من فوره إلى بني عامر.
فلمّا رأوه، قال له خالد: ما وراءك؟ فلم يجبه، حتّى أتا إلى شجرة، فقال (٢٥٨): يا شجرة، أنت في الأجناس، لست من الناس، قد وردت العين، ورأيت الشّين، وزوّدت الطّرموس واللّبن، من تلك المنازل والدّمن، فإن كان بعد حليب، فالقوم عن قريب.
فلمّا سمعت العرب كلامه، قالوا: قد جنّ، وربّ الكعبة. فقال خالد: إن صدق حزري فقد لقي القوم وحلّفوه أن لا يذكرهم لأحد من الناس، فهو لذلك يخاطب الشجرة. عليّ بالشّكوة. فلمّا أحضرت، وجدوها حليبا بفوّارها. فصاح في قومه، ولم يزالوا حتّى لحقوا بالملك زهير ضحى، وهو سائرا إلى دياره، فأدركه خالد بن جعفر، وجرى بينهما من الحرب ما يبلبل الخواطر، ويذهل النّواظر. وكان الملك زهير أشجع