جرا وكلا من مشايخ العشيرتين كاره لهذا الأمر، وعلموا أنّ هذا السّباق يثور بينهما أحقاد قديمة ودفائن باطنة. فدخلوا في إبطال ذلك، فامتنع حذيفة بن بدر، فإنّه كان معجب برأيه، كثير الصّلف، عظيم الرأي في نفسه. فلمّا رأى قيس امتناعه عن تأخير السباق صمّم أيضا هو على ذلك، على كره منه، فإنّه كان حسن العقل والتدبير، مليح الرأي والمشورة.
ولمّا لجّ حذيفة في ذلك، قال له إياس بن منصور هذا القصيد (من المتقارب مع بعض الخلل في الوزن):
حذيفة ما فيك من هجنة ... وما في طهارة قيس من دنس
فدع عنك قيس، فقيس له ... عفا جنح أخذه بالنّفس
(٢٦٤)
ولا سيّما داحس في الرّهان ... إذا شاطروا ذائبا حبس
جواد إذا ثار الغبار ... رأيت حوافره كالقبس
فلمّا سمع حذيفة مقال إياس، قال: أنا ما أرجع عن رهاني بهذا الكلام وأمثاله.
وكان لحذيفة أخ يقال له: حمل، وكان عاقلا محنّكا عارف بتصاريف الزّمان وحوادث الأيّام، فتوسّط بينهما أن يتركا هذا الأمر، وركب إلى قيس ابن زهير، وقال (من الكامل):
يا قيس لا تغضب حذيفة إنّه ... طلب اللّجاج وفعله ميشوم