ثمّ إنّ حذيفة في تلك الليلة، أدعى بعبد من عبيده، يقال له: دامس، وقال له: يا دامس، ما خيّبتك إلاّ ألمها. وكان يعرف من شدّته أنّه أقوى من الصّخر وأجلد من الأسود. وأوصاه أنّه يكمن للخيل قرب المكان المعروف للسبق. فإذا رأى الغبراء فرسه سابق فلا يبيّن نفسه، وإن رأى داحس سابقها يخرج ويلطمه ويعيده إلى خلفه حتّى تلحقه الغبراء. فقال العبد: يا مولاي، ومن أين أعرف الغبراء من داحس وهما تحت العجاج؟ فأعطاه عدد حصا مجمّعة وعدّه على العبد، وقال: خذ هذا الحصا وارمه إلى الأرض واحدة واحدة عندما ترى الخيل قد أطلقوا، فإذا انتهت الحصا فإنّ الغبراء تأتيك على آخر العدد، وإن بقي شيء من الحصا ورأيت الفرس السابق فهو داحس، فاخرج إليه وافعل ما أمرتك به.
فلمّا كان عند الصباح علو الناس على رؤوس الروابي والشعاب، واجتمعوا الشيوخ والشباب، وأطلقت الأمناء الخيل عند ذهاب الليل، وصاحت عليها ركّابها، وضربت بالسّياط أجنابها، وتقدّمت الغبراء وتأخّر داحس، وصار الفزاريّ يقول للعبسيّ: سبقت يا أخا عبسي، فبشّر نفسك بالعكس وبالنّكسي. فقال العبسيّ: وأيم الله يا نذل فزارة، سوف ننظر من يقع في الخسارة. وصبر حتّى قطع الحجر وصاح على داحس فمدّ قوائمه مثل الإنسان (٢٦٩) إذا تمطّا، وطلب السهل والوطا، وطار حتّى عاد كأنّه