عقاب، بين تلك الرّوابي والعقاب، حتّى سبق الناظر، وخيّل لراكبه أنّه على الفلك الدائر، وترك الغبراء خلفه وهي لا تدرك له غبار، حتّى غاب عن النواظر والأبصار. وعاد العبسيّ يقول للفزاريّ: أنفذني في رسالة إلى بني بدر، وأوفي ما في عنقك من نذر. هذا، وشيبوب في عراض داحس مثل ريح الشمال، وكلّما رآه قد سبقه يهيم في الربا والآكام، كما يهيم ذكر النّعام، فسبق داحس وصار قدّامه برمية سهام. وما زال كذلك حتّى قارب الشّعب الذي فيه دامس العبد، وكان قد بقي من الحصا أكثر من النصف، ومدّ عينه فرأى داحس قد أقبل مثل البرق إذا خطف، والقطر إذا وكف. فلمّا صار بين يديه عارضه كالعفريت، ولطمه لطمة جبّار عنيد، أو شيطان مريد، على وجهه، فأداره إلى وراة، ومن عظم اللّطمة ارتعد وتتعتع، وكاد راكبه أن يقع. ونظر شيبوب إلى هذا الفعال، فسلّ خنجره ووثب على العبد في صدره، أطلع الخنجر من ظهره، فوقع بخور في دمه. ثمّ همّ أن يعود إلى داحس ويحسن فيه المداراة، وإذا بغبار الغبراء قد أقبل مثل الريح الهبوب، أو الماء إذا جرى من الأنبوب، فخاف لا يعود سبوق، ولا يأخذ لا جمال ولا نوق، فترك داحس ولعب برجليه وانطلق مثل البرق إذا برق، وأتت الغبراء في إثره، وأتا داحس في إثرها ودموعه جارية على خدّيه، وقد فتح منخريه. وجميع الطوايف قد ضجّت في إقبال شيبوب وعجبوا من خفّة ركبه وقوّة عصبه.
ولمّا أقبلت الغبراء من بعده، ارتفعت أصوات بني فزارة فرحا