يأكل. فلمّا رآني بادأني السلام وعزم: لتنزلنّ! فنزلت عن جوادي. فأجد قدامه من الزاد ما يكفي جماعة من الناس، فأكلنا. ولمّا اكتفينا نفض جميع ذلك الزاد على الرمل وركب وركبت. وسألني بعد ذلك عن توجّهي، فعرّفته. فقال: وأنا كذلك. فقلت: يا وجه قومه، لم نفضت المزود ونحن في هذه المفاوز، ونحن محتاجون إليه؟ فتبسّم وقال: لا تفكّر في رزق غد، فكلّ غد له رزق جديد، ما دام لك عمر مديد. ثمّ أنشأ يقول (٢٨٧ من الطويل):
رحلنا وخلّينا على الرّمل زادنا ... وللطّير في زاد الكرام نصيب
ورزق غدا يأتي غدا يسوقه ... إلى العبد جبّار عليه رقيب
فيا نفس لا تبقي على قوت ليلة ... فإنّ مرار الموت منك قريب
قال حاتم: ثمّ سرنا، فلمّا كان الغد فتح بيده مزودي وفرشه وأكلنا على جانب غدير. ثمّ إنّه نفض المزود على ذلك الغدير وعوّلنا على المسير، وإذا بكلب قد أقبل من صدر البيداء يطلب الغدير. فلمّا وصل ورأى الزاد فتقدّم وأكل حتّى اكتفى، وشرب من الغدير وترك باقي الزاد.
فقال لي رفيقي: ألا تنظر يا فتى إلا هذا الحيوان كيف أكل كفايته-ما لا كان له في حساب-وترك باقي الزاد ولا عن عليه ولا حمله؟! أيكون الكلب أقوى يقين منا؟ فقلت، وقد هالني أمره: لم تفعل إلاّ خيرا. ثمّ قطعنا البرّ حتّى تعالا النهار، واتّسع في وجهنا القفار، وبدا بنا الجوع،