وعمل فينا الخوى، فقلت في نفسي: ترى من أين يكون غذانا؟ وأنا، فقد هنيته أن أكلّمه في ذلك، فو الله لم أتمّ ما في نفسي حتّى انطلق الكلب في عرض البرّ حتّى ظننت أنّه قارب قومه، وإذا به قد ثوّر عانة من الوحش، وصار يردّها إلينا، حتّى تخيّل لنا أنّه يقول: دونكم وهذه العانة. فبادرنا إليها وأخذنا منها كفايتنا، ونزلنا وذبحنا وشوينا وأكلنا، نحن والكلب.
ولمّا كان من الغد أشرفنا على أحياء عرب، فرينا حلّة كبيرة، فسقنا منها ما قدرنا من النّياق والجمال، ولدغناها برؤوس الرماح، فمدّت خطاها قدّامنا، وبعدنا عن الأحياء، ونظرنا إلى خلفنا، وإذا بفرسان الحلّة يتسابقون إلينا، وطلع الغبار ورانا مثل قطع الليل، فعدنا نلتقي القوم.
فلمّا رآني رفيقي قد عزمت على لقاء القوم معه تبسّم في وجهي، وقال:
يا فتى، بحقّ الّلات والعزّى، قف في هذا المكان واحفظ الغنيمة أن تشرد، ودعني (٢٨٨) فإنّي إذا علمت أنّ مثلك خلفي قوي عزمي، وإذا رأيتني قد قهرت فاستعدني. قال: فوقفت مع الغنيمة أنظر فعاله ساعة، وإذا بالخيل الذي أقبلت إلينا قد ولّت، وهو في ظهورها يزعق زعقات الأبطال الذين لا تزيغهم كثرة الرجال، وقد سطح على الأرض منهم عدّة كثيرة ما بين قتيلا وجريحا، وعاد إليّ كأنّه الأسد الكاسر، وهو ينشد ويقول (من الرمل):
يا سنان الرّمح لا تشكوا الصّما ... فأنا اليوم أرويك دما
وأخلّي الوحش خلفي رتعا ... في رجال فارقوا أرض الحما