قال ثمّ نزوّج سلمى رجل من بني عمّها، وقال لها يوما: يا سلمى، أثني عليّ كما أثنيت على عروة-وقد كان قولها في عروة شهر وعلم- فقالت: لا تكلّفني لذلك، فإنّي إن قلت الحقّ غضبت، ولا واللاّت والعزّى لا أكذب. فقال: عزمت عليك لتأتيني في مجلس قومي، فلتثنين عليّ بما تعلمين منّي. وخرج وجلس في نادي القوم، وأقبلت، فرماها الناس بأبصارهم. فوقفت وقالت: أنعموا صباحا! إنّ هذا عزم عليّ أن أثني عليه بما أعلم منه، وكلّفني ذلك. ثمّ أقبلت عليه فقالت: والله إنّ شملتك لألتحاف، وإنّ شربك لاستفاف، وإنّك لتنام ليلة تخاف، وتشبع ليلة تضاف، ولا ترضي الأهل والأجانب. ثمّ ولّت. فلامه قومه، وقالوا: ما أغناك عن هذا منها!
وعن ابن الأعرابيّ عن أبي فقعس قال: كان عروة إذا انتاب الناس سنة شديدة تركوا في دارهم المريض (٢٩٦) والكبير والضعيف، فكان عروة يجمع هؤلاء من دون الناس في الشدّة، ثم يحفر لهم الأسراب ويكنف لهم الكنف ويكسبهم ويطعمهم، ومن قوي منهم خرج به معه فأغار، وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيبا، حتّى إذا أخصبت الناس وألبنوا وذهبت الشّدّة من السنة ألحق كلّ إنسان بأهله بنصيبه ممّا يحصل