سبحان من له في كل شيء شاهد بأنه إله واحد، وفي جميع ما أدركه بصر وأفضى إليه نظر دليل قائم على أنه قديم قادر، ينطق برهانه عن كل محسوس، ويعقل سلطانه عن كل موجود، دل على أنه حكيم عالم بخلق أحكمه، وقضاء أبرمه، وصنع أتقنه، وإنسان كونه خصيمًا مبينًا وجدلًا منطيقًا، من نطفة أمشاج وماء مهين، سمك السماء فليس بها فطور، وخلق الأفلاك ذائبة الحركات فليس لها فتور، كساها من الأنجم الزهر لباسًا، ووكل بها من الشهب الثاقبة حراسًا، فلا على عمد رفع السماء، ولا على مثال أحدث الأشياء، ذلك صنع من لا تعتوره الأحوال، ولا تقرن إليه الأشكال، ولا يلحق به الأولاد ولا يقاس إليه الأنداد، فالق الحب وبادئ النسم، وموجد الأشياء من بعد العدم، وخالق الأنوار والظلم، كل شيءٍ له مسبح، وبإخبار ذوي العقول أنه/ القديم الأول، مصرح، جل فيما أنشأ وفطر عن وزير وتعالى فيما دبر وقدر عن ظهير، واستغنى عن مشير، وتقدس عن نظير، فسبحانه ملكًا عنت الوجوه له، وربًا إليه المصير، وإلهًا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وصلى الله على من تناسخته أرحام مطهرة، وأصلاب مكرمة، فأدته طاهرًا نجاره، زاكيًا نصابه، منتظرًا للأمر العظيم والخطب الجسيم، متوسمًا نور النبوة بين عينيه، معاينًا خاتم الرسالة بين كتفيه، محروسًا في نشئه وأجزاء عمره إلى استكماله قوى عقله، وتدريج الله إياه في مراقي التشريف إلى المقضي من أمره فأصبحه المعجزات وشيعه بالبينات، وحفه بالضياء، وغشاه بالنور، وختم به الدنيا، وفتح به الآخرة، وأرسله إلى الثقلين بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فحمل أثقال النبوة ونهض بأعباء الرسالة، وجاهد في إيضاح السبل، وصبر صبر أولي العزم من الرسل،