وفي حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها، وعدتم من حيث بدأتم) قلت: إنما استقصيت هذا الحديث لأنه من مشكل الأحاديث، ويحتاج إلى فضل شرح، وهذا كقوله الله تعالى:{كما بدأكم تعودون فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة}.
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما لم يكن بعد، كائن في علم الله فخرج لفظه/ على لفظ الماضي؛ لأنه ماض في علم الله تعالى كائن، وفي إعلامه بهذا قبل وقوعه ما دل على إثبات نبوته، ودل رضاه من عمر ما وظفه على الكفرة من الجزى في الأمصار.
وفي تفسير المنع وجهان: أحدهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أنهم سيسلمون وسيسقط عنهم ما وظف عليهم بإسلامهم، فصاروا مانعين بإسلامهم ما وظف عليهم والدليل على ذلك قوله في الحديث:(وعدتم من حيث بدأتم) ولأن بدءهم في علم الله وفيما قدر وقضى أنهم سيسلمون، فعادوا من حيث بدأوا.