هذى الأرامل قد قضيت حاجتها .... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر.
قال أبو بكر: وهذا الذي ذهب إليه غير صواب من غير وجه: أحدهن: أن المرأة إذا مات عنها زوجها يقال لها أرملة لما يقع بها م الفقر وذهاب الزاد بعد موت عشيرها وقيمها، يقال: أرمل: الرجل وأقوى وأنفض إذا فنى زاده، والرجل الذي تموت امرأته يقال له أرمل، لأنه ليس سبيل الرجل أن يفتقر ويذهب زاده لموت امرأته، بل ذلك واقع بالنساء، إذا كان الرجال هم المنفقون عليهن، قال الله تعالى:{وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} والذي احتج به من قول الشعبي إنما معناه أن يعطي أولاده وأولاد بنيه، ولا يعطي أولاد بناته، لأنهم خرجوا من كمرة غيره، والذي احتج به من قول الشاعر (فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر) لم يرد بالأرمل الذي ماتت امرأته، بل أراد الفقير الذي نفد زاده ثم بين المعنى بقوله (الذكر) يقال: هذا رجل أرمل، والرجل الأرمل، كما تقول: الأنبل والأفضل، والذي احتج أيضا من قول الشاعر:
أحب أن اصطاد ضبا سحبلا .... رعى الربيع والشتاء أرملا
فليس فيه حجة، لأنه أراد: رعى الربيع والشتاء أرملا، أي الشديد المذهب أزواد الناس، والأرمل من صفة الشتاء، وليس من صفة الضب، ونصبه على القطع من الشتاء، وبعد فالغالب على الأرامل في تعارف القدماء والخاصة والعامة أنهن النساء دون الرجال، فإن قال شاعر في ضرورة شعر: رجل أرمل، لم ينقض بذلك البيت العادة الجارية، لأنه لو قال رجل: مالي للجواري من ولد تميم، أعطي الإناث، ولم يعط الغلمان، وإن كانت العرب تقول للجارية: غلامة. ويقولون: هم جوار في حوائجهم، يريدون: الذكور والإناث وكذا لو قال: مالي للرجال من ولد فلان، لم يعطه الإناث.