للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِلَى غَيرِ ذلِكَ مِنَ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، الَّتِي تَدُّلُ دَلالةً وَاضِحَةً عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ.

ومَعْ هذَا فَقَدْ أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهِ، بَل عَدُّوهُ مِنَ الْوَاجِبَاتِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ.

فَإِن قُلْتَ: إِنَّ مَشرُوعِيَّةَ التَّعْدَيلِ فِي مَحَلِّهَا فَوَاضِحٌ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْجَرْح فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَجمَعَ بَينَ الْمَشرُوعِيَّةِ وَبَينَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ (١)؟!.

قُلْتُ: المَشْرُوعِيَّةُ لَا تُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾؛ لِأَنَّ الغِيْبَةَ مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ ومِنْهَا مَا هُوَ مُبَاحٌ، فَالْمُبَاحُ مِنَ الْغَيْبَةِ مَا كَانَ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ لَا يُمْكِنُ الوُصُولُ إِلَيهِ إِلَّا بِهَا.

وَقَالَ الْإِمَامُ العِزُّ بْنُ عَبدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الْقَدْحُ فِي الرُّوَاةِ وَاجِبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ إثبَاتِ الشَّرْعِ به لِمَا عَلَى النَّاسِ فِي ذلِكَ مِنَ الضَّرَرِ فِي التَّحْرِيمِ والتَّحْلِيْلِ وغَيْرِهِمَا مِنْ الأَحْكَامِ، وَكَذلِكَ كُلُّ خَيْرٍ يُجَوِّزُ الشَّرْعُ الاعْتِمَادَ عَلَيْهِ والرُّجُوعَ إِلَيْهِ … جرْحُ الشُّهُودِ عِنْدَ الحُكَّامِ فِيهِ مَفْسَدَةٌ وهَتْكُ أَستَارِهِمْ لكِنَّهُ وَاجِبٌ لِأَن الْمَصْلَحَةَ في حِفْظِ الْحُقُوقِ مِنْ الدِّمَاءِ والأَمْوَالِ، والأَعْرَاضِ والأَبْضَاعِ، والْأَنْسَابِ وسَائِرِ الْحُقُوقِ أَعَمُّ أَعْظَمُ (٢).

ثُمَّ يُقَرِّرُ الْإِمَامُ القَرَافِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ إِبَاحَةَ الْجَرْحِ والتَّعْدِيلِ فِي الشُّهُودِ أَمَامِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ: يَجُوزُ وَضْعُ الْكُتُبِ فِي جَرْحِ المَجْرُوحِ مِنْهُمْ، والْإِخْبَارُ بِذلِكَ لِطَلَبَةِ العِلْمِ الحَامِلِينَ لِذلِكَ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَهذَا البَابُ أَوْسَعُ مِنْ أَمْرِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَختَصُّ بِحُكَّامٍ، بَل يَجُوزُ وَضعُ ذلِكَ لِمَنْ يَضْبِطُهُ وَيَنْقُلُهُ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُ النَّاقِلِ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى ضَبْطِ السُّنَّةِ والأَحَادِيْثِ، وَطَالِبُ ذلِكَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ (٣).

ثُمَّ يَذكُرُ الْإِمَامُ الغَزَالِي (٤) والْإِمَامُ النَّوَوِيُّ (٥) سِتَةَ أَسْبَابٍ تُبَاحُ فِيْهَا الغِيْبَةُ وَهِيَ:

الْأَوَّلُ: التَّظَلُّمُ فَيَجُوزُ لِلْمَظلومِ أَنْ يَتَظَلَّمَ إِلَى السُّلْطَانِ والْقَاضِي وغَيرِهِما مِمَّنْ لَهُ وِلايَةٌ


(١) سورة: الحجرات، الآية: ١٢.
(٢) قواعد الأحكام: ص ٩٧.
(٣) الفروق: ٤/ ٢٠٦.
(٤) إتحاف السادة المتقين: ٩/ ٣٣٢.
(٥) رياض الصالحين: ص ٣٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>