[ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبهما ودرجات ألفاظهما]
قَالَ شَيْخُنَا الفَاضِلُ العَالِمُ عَبْدُ الفَتَاحِ أَبُو غُدَّة (١) حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى: هذِهِ الْأَوْصافُ المَذْكُورَةِ فِي (أَلْفَاظِ الجَرْحِ والتعْدِيلِ) يُرَادُ مِنْهَا مَعْرِفَةُ حَالِ الرَّاوِي عِنْدَ المُحَدِّثينَ الجَهَابِذَةِ النُّقَّادِ، الَّذِينَ حَكَمُوا بِاجْتِهَادِهِمْ تِلْكَ الْأَحْكَامَ عَلَى الرُّوَاةِ، مِمَّا يَقْتَضِي قُبُولُ رِوَايَةِ الرَّاوِي، أَوْ رَدُّها، أَوْ تَرْجِيْحُهَا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، أَوْ نَحْوَ ذلِكَ.
وَقَدْ جَاءَتْ أَلْفَاظُهُمْ فِي الْحُكْمِ عَلَى الرَّاوِي مُتَّفِقَةً حِيْنًا، ومُخْتَلِفَةَ حِيْنًا آخَرَ، تَبَعًا لاِخْتَلَافِ اجْتِهَادَاتِهِمْ فِي الحُكْمِ عَلَى الرَّاوِي، وَلَمْ يَكُونُوا مَعْصُومِيْنَ رَحِمَهُمْ اللهُ تَعَالَى، وَلكِنْ كَانُوا يَغلِبُ عَلَى غَالِبِهِمْ الوَرَعُ والدِّقَّةُ والْأَمَانَةُ والنَّصفَةُ، والكَمَالُ المُطْلَقُ إِنَّما هُوَ للهِ تَعَالَى، والعِصْمَةُ لنَبِيهِ ﷺ بِفَضْلِ اللهِ عَلَيْهِ.
وصَدَرَتْ مِنْهُمْ هذِهِ الْأَلْفَاظُ: قَبْلَ تَوحُّدِ المُصْطَلَحَاتِ الحَدِيْثِيةِ واسْتِقْرَارِهَا، الَّذِي يُمْكِنُ تَحْدِيْدُهُ تَقْرِيْبًا بالقَرْنِ الرَابعِ وَمَا بَعْدَهُ، كَانَ الحَافِظُ النَّاقِدُ مِنْهُمْ يَقُولُهَا فِي الرَّاوِي، بِحَسَبِ مَا يَتَرَاءَى لَهُ مِنْ حَالِهِ، تَبَعًا لِمَعْرِفَتِهِ بِأَحَادِيْثِهِ، ونَقْدِهِ مَرْوِيَّاتِهِ، وتَبَيُّنِهِ فِيهِ قُوةَ العَدالَةِ والضَّبْطِ أَوْ الضَعْفَ فِيْهِمَا.
وَقَدْ رَتَّبَهَا وَنَسَقَهَا الحَافِظُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ - وُلِدَ سَنَةَ ٢٤٠ هـ، ومَاتَ سَنَةَ ٣٢٧ هـ - بَعْضَ التَنْسِيقِ، فِي كِتَابِ "الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ"، ثُمَّ نَسَّقَهَا المُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ القَرْنِ الرَابعِ وَمَا بَعْدَهُ، فِي مَرَاتِبَ مُتَجَانِسَةٍ للتعْدِيْلِ، ومَرَاتِبَ مُتَجَانِسَةٍ للتَّجْرِيْحِ، وَذَكَرُوهَا مُنَسَّقَةً بَعْضُهَا إِثْرَ بَعْضٍ فِي المَرْتَبَةِ الوَاحِدَةِ، إِفَادِةً مِنْهُمْ أَنَّ بَيْنَ اللَّفْظِ السَّابِقِ واللَّاحِقِ تَغَايُرًا يَقِلُّ أو يَكْثرُ أو يَضْعفُ أو يَقْوى.
(١) الرفع والتكميل في الجرح والتعديل: ص ١٥٩، هامش (١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute