نحوِ خمسةٍ وعشرينَ كيلًا، وقد حُكِيَ ذلك عن أنسٍ، مع أنَّ أنسًا يَرى القَصْرَ فيما هو دونَ ذلك؛ كما في "صحيحِ مسلمٍ"؛ مِن حديثِ يَحيى الهُنَائيِّ، أنَّه سأَلَ أنسَ بنَ مالكٍ عنِ القَصر، فقالك "كان النبيُّ ﷺ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ، صَلَّى رَكعَتَيْنِ"؛ والشكُّ فيه مِن شُعْبةَ (١).
اختلافُ أقوالِ النبي ﷺ وأصحابِهِ في مسافة القصرِ:
ومُجرَّدُ فعلِ النبيِّ ﷺ، وكذا الصحابيُّ، للقصرِ: ليس مقيِّدًا لأَدْنى مسافةِ القصرِ؛ وإنَّما مجوِّزٌ لها، ولمَا هو أَبْعَدُ مِنها مِن بابِ أَوْلى، ولا ينفي ما دُونَها؛ وإنَّما يُرجَعُ فيه إلى ضابطِهِ مِن عُرْفِ الناسِ؛ ققد يقصُرُ الصحابيُّ في موضعٍ، ولا يقصُرُ فيما هو أبعَدُ منه، وذلك لِعِلَّةِ خارجةٍ عن مسافةِ القصرِ؛ كعِلَّةِ الذَّهَابِ والرجوع مِن يومِه، أو قصدِ الإقامةِ في بلدٍ أتَمَّ بها، وربَّما قصَرَ في موضعٍ؛ لَأنَّه يُريدُ السيرَ أبعَدَ منه، فلا يُؤخَذُ القصرُ فيه حدًّا لأدنى مسافةٍ للقصرِ.
وما جاء مِن أقوالٍ وأفعالٍ متبايِنةٍ عنِ الصحابة، لا يصحُّ أن يُعارَضَ القولُ بالآخَر، ولا يَنسَخَ قولٌ قولًا، لأنَّهم أبصَرُ الناسِ وأفقهُهم بلُغَةِ الشَّرْعِ ومُرادِه، وهم أهلُ لسانٍ يَفهَمونَ عُرْفَ الشارعِ وعُرْفَ الناس، ولا بدَّ مِن حملِ اختلافِ أقوالِهم المتباينةِ على تنوُّعِ الحال، لا التضادِّ والتعارُض، ومَن تأمَّلَ هذا التنوُّعَ وتبايُنَهُ، وجَدَ أنَّ أرجَحَ المَحامِلِ أن يُحمَلَ اختلافُهم على ما يحتفُّ يالسَّفَر، لا على مَسِيرةِ السفرِ وحدَها.
حدُّ مسافةِ السَّفَرِ:
وقد اختلَفَ الفقهاءُ مِن بعدِهم - مِنَ التَّابعينَ وأَتباعِهم والأئمَّةِ الأربعةِ - في حدِّ السفرِ الذي يصحُّ معه القصرُ والفِطْرُ؛ على أقوالٍ كثيرةٍ، وبعضُها قد يُلحَقُ ببعضٍ، وذلك تَبَعًا لاختلافِ الصحابةِ وتنوُّعِ أقوالِهم، ومِن هذه الأقوالِ: