للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى ابنُ جريرٍ الطبريُّ؛ مِن حديثِ عليٍّ، عنِ ابنِ عباسٍ؛ قال: كان أولَ ما نَسَخَ اللهُ مِن القُرآنِ القِبْلةُ؛ وذلِك أنَّ رسولَ اللهِ لمَّا هاجَرَ إلى المدينةِ، وكان أكثَرَ أهلِها اليهودُ، أمَرَهُ اللهُ ﷿ أنْ يستقبِلَ بيتَ المَقْدِسِ، ففرِحَتِ اليهودُ؛ فاستقبَلَها رسولُ اللهِ بِضْعةُ عَشَرَ شهرًا، فكان رسولُ اللهِ يُحِبُّ قِبْلةَ إبراهيمَ ، فكان يدعو وينظُرُ إلى السّماءِ، فأنزَلَ اللهُ : ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾، إلى قولِهِ: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤]، فارتابَ مِن ذلك اليهودُ، وقالوا: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢]، فأنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ [البقرة: ١٤٢]، وقال: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ (١).

وروى معناهُ ابنُ أبي حاتمٍ، عنِ ابنِ أبي بكرٍ، عن مجاهدٍ؛ في قولِه: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾: حيثُما كنتُمْ، فلكم قِبْلةٌ تستقبِلُونَها: الكَعْبةُ؛ وجاء عن الحسنِ (٢).

الحكمةُ من ذكرِ المشارق والمغارب جمعًا:

وإنَّما ذكَرَ المشرقَ والمغربَ منفردًا، ولم يذكُرْهُ جمعًا، كما في قولِه تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾ [المعارج: ٤٠]؛ لأنَّ المشارقَ والمغاربَ ذُكِرتْ جمعًا لإثباتِ ربوبيَّةِ اللهِ وعظيمِ صنعِه وإتقانِهِ وتسييرِهِ للأجرامِ، واللائقُ بذلك ذِكرُ الجمعِ لإثباتِ كمالِ القدرةِ والعلمِ؛ فالمشارقُ والمغارِبُ هي تعدُّدُ مُطالعِ الشمسِ والقمرِ وغروبِهما في السَّنَةِ، فللشمسِ أكثَرُ مِن مَطْلَعٍ تدورُ وتَرجِعُ إليه كلَّ عامٍ، وتغرُبُ في جزءٍ يقابِلُهُ مِن اليومِ نفسِهِ، ثمَّ تعودُ إليه كلَّ عامٍ؛ وهكذا.


(١) "تفسير الطبري" (٢/ ٤٥٠).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>