فإنَّ في ذلك تبرُّكًا بالمذكورِ سبحانَهُ، وتعرُّضًا لكفايتِهِ وحِفْظِه، وتبرُّؤًا مِن حَوْلِ الإنسانِ وقُوَّتِهِ في حُسْنِ الاختيارِ للجهةِ ومكانِ النزولِ، وقد تقدَّم الكلامُ على ذِكْرِ الركوب ودعاء السَّفَرِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١)﴾ [هود: ٤١].
دعاءُ نزولِ المَنْزلِ:
وأمَّا دعاءُ نزولِ المنزلِ، فظاهرٌ في قولِه تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩)﴾، وظاهرُهُ: أنَّه في نزولِ منزِلٍ لم يُنزَلْ مِن قبلُ، وليس في نزولِ المنزِلِ الذي يعتادُةُ الإنسانُ؛ كدخولِهِ بيتَهُ وبُستانَهُ والمكانَ الذي يَبْدُو فيه، فلو كان الأمرُ كذلك، لاشتهَرَ القولُ به والعملُ عليه في السُّنَّة.
ويكونُ هذا الدعاءُ عندَ اتِّخاذِ المنازلِ الجديدةِ والرِّباطِ الجديدِ في ثَغْرٍ مِن الثُّغُورِ، ولو كان النزولُ عارضًا لا دائمًا؛ كمَنْ يَبْدُو في بَرِّيَّةٍ، أو يَتَّخذُ مكانًا لماشيتِهِ مِن غنمٍ وإبلٍ وغيرِ ذلك.
وأمَّا إنْ كان النزولُ في مكانٍ يعتادُهُ، أو جديدٍ كذلك، فيُستحَبُّ له الدعاءُ بما ورَدَ في مسلمٍ؛ مِن حديثِ خَوْلَةَ؛ أنَّ النبيَّ ﷺ قال:(مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا، ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِن مَنْزِلِهِ ذَلِكَ)(١).
وهذا يُستحَبُّ في كلِّ مكانٍ يُنزَلُ ولو اعتادَهُ، وأمَّا بيتُ الرجُلِ ومسكنُهُ الدائمُ، فلا يُستحَبُّ قولُ ذلك إلَّا عندَ كلِّ نزولٍ.
والنزولُ في الحديثِ يُرادُ به المُكْثُ في مكانٍ جديدٍ أو مكانٍ عَتِيقٍ، لكنْ بعدَ انقطاعٍ عنه؛ وهذا ظاهرٌ في حديثِ خولةَ السابقِ؛ حيثُ