ورُوِيَ عن مجاهدٍ القولُ بعَدَمِ نسخِ الآيةِ، وهو قولٌ لابنِ عبَّاسٍ ﵁، وحمَلَ معناها على المشقَّةِ في الصيامِ مع القدرةِ عليه؛ فروى ابنُ أبي حاتمٍ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهِدٍ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾: "لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، لا يُرَخَّصُ هَذَا إِلا لِلْكبِيرِ الَّذِي لا يُطِيقُ, أَوْ مَرِيضٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَشْفَى"(١).
وهو المعنى الذي يقولُ به مَن قال بالنسخِ، ولكنَّ مجاهِدًا يفرِّقُ بين الشيخِ الكبيرِ والحاملِ والمرضعِ في القضاءِ، فيُلزِمُهُ على الحاملِ والمرضِعِ، ويَرفعُهُ عن الشيخِ الكبيرِ، ويَجعلُ عليه الإطعامَ فقطْ، ومرادُهُ أنَّ الشيخَ الكبيرَ إنَّما أفطَرَ لكِبَرِهِ، والكِبَرُ لا يَرتفِعُ بل يزيدُ، بخلافِ الحملِ والرَّضَاعِ، فهو عارضٌ ويزولُ.
فِطْرُ الحاملِ والمُرْضِعِ:
والعلماءُ يَختلِفونَ في أمرِ الحاملِ والمرضعِ؛ هل يجبُ عليهما القضاءُ والإطعامُ جميعًا، أو يجبُ عليهما أحَدُهما؟
وإنَّما وقَعَ عندَهم الخلافُ: أنَّ منهم مَن جعَلَ الحَمْلَ والرَّضَاعَ عِلَّةً وعذرًا عارضًا كالسَّفَرِ، فلا يجبُ على الإنسانِ إلَّا القضاءُ، وأنَّ الحاملَ والمرضِعَ يختلِفانِ عن الشيخِ الكبيرِ؛ وذلك لأنَّ عُذْرَهُ دائمٌ أو غالبٌ، وهما كحالِ المسافرِ المطيقِ للصومِ، ولكنَّه يَشُقُّ عليه أو يَشُقُّ على رفقتِهِ لو صامَ فيُفطِرُ ويَقضي فقطْ، قالوا: وهكذا الحامِلُ والمرضِعُ.
ومنهم مَن جعلَ حُكْمَهما مقصودًا في الآيةِ، ولم يحتَجْ إلى القياسِ؛ فأوجَبَ الإطعامَ، فمنهم مَن جعَلَ معه القضاءَ, ومنهم مَن لم يجعَلْ معه القضاءَ، والخلافُ عندَهم على قَولَيْنِ: