للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولَ اللهِ كان إذا اعتَكَفَ، يُدْنِي إليَّ رأسَهُ فأُرَجِّلُهُ" (١).

وأمَّا ما كان بِلَذَّةٍ، فيُنْهَى عنه؛ قال مالكُ بنُ أنسٍ: "لا يَمَسُّ المعتكِفُ امرأتَهُ، ولا يباشِرُها، ولا يتَلذَّذُ منها بشيءٍ؛ قُبْلةً ولا غيرَها" (٢).

وذلك لأنَّ المقامَ مقامُ تفرُّغٍ وتعظيمٍ للهِ، وانقطاعٍ عن اللذائِذِ، وحبسٍ للنَّفْسِ عنها؛ فإنَّ الانصرافَ إلى الجِمَاعِ يَصرِفُ النَّفْسَ إلى التَّرَفِ والانشغالِ بالاستمتاعِ.

وفي ذلك: تربيةٌ للنَّفْسِ على المجاهَدةِ، وابتلاءٌ للنَّفْسِ؛ لتَعرِفَ نِعَمَ اللهِ على العبدِ؛ مِن معرفةِ حريَّتِهِ في خروجِهِ ودخولِه، وضربِهِ في الأرضِ، واستمتاعِهِ بما أَحَلَّ اللهُ له منها؛ فنِعَمُ اللهِ لا تُحصَى، وما يُعرفُ منها يُنسَى، والعبدُ بحاجةٍ إلى تذكيرٍ، وحرمانُهُ منها باختيارِهِ وبغيرِ اختيارِهِ يذكِّرُهُ عظيمَ النِّعْمةِ التي مُنِعَ مِن الوصولِ إليها.

وفيه: شَغْلٌ للنَّفْسِ بالعبادةِ؛ حتى تستكثِرَ مِن الأجورِ، فتغتنمَ شيئًا ممَّا فاتَ؛ فالنفسُ إنْ خلَتْ، أكثَرَتِ التفكُّرَ والتأمُّلَ والمحاسَبةَ، فتتذكَّرُ مِن التقصيرِ ما لا تتذكَّرُهُ في سَكْرةِ مُتْعَتِها.

لا اعتكافَ إلا في مسجدٍ:

وقولُه: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ دليلٌ على أنْ لا اعتكافَ إلا في المساجِدِ، وأمَّا اعتكافُ الأسواقِ والمصلَّيَاتِ، والمرأةُ تتَّخِذُ لها مكانًا تعتزِلُ فيه في بيتِها -: فلا أصلَ له؛ وبعضُ متأخِّري المالكيةِ يجوِّزُ ذلكَ، وهو قولٌ لا يعوَّلُ عليه.

وقولُه: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾:


(١) أخرجه مسلم (٢٩٧) (١/ ٢٤٤).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٢٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>