للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأظهَرُ: عمومُ ذلك للرجلِ والمرأةِ؛ وهو قولُ عطاءٍ وعِكْرِمةَ والحسنِ (١).

وقال ابنُ جريرٍ: إنَّ المرادَ بقوله: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾، هما البِكْرَانِ (٢)، فالحبسُ حتى الموتِ على المُحصَنِينَ، والأذَى على غيرِ المُحصَنِ مِن الجنسَيْنِ.

وقد يصحُّ هذا القولُ لولا أنَّ الخِطابَ الأولَ خاصٌّ بالنِّساءِ: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ﴾ , والأصلُ أنَّ التذكيرَ يَغلِبُ التأنيثَ، لا العكسُ.

والأشهَرُ: أنَّ العقوبةَ كانتْ في أولِ الأمرِ للمُحصَنِ وغيرِ المُحصَنِ؛ ترهيبًا مِن هذا الفعلِ، وظاهِرُ الآيةِ: أنَّ اللهَ أرادَ الترهيبَ والتشديدَ؛ لِيَعْقُبَهُ التيسيرُ فتتقبَّلَهُ النفوسُ؛ لأنَّه يُناسِبُ العقوبةَ على بشاعةِ فاحِشةِ الزِّنى.

عقوبةُ الحَبْسِ:

وفي الآيةِ: دليلٌ على عقوبةِ الحبس، وهو السَّجْنُ، وهو قولُه: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ﴾، وهكذا كانت عقوبةُ الحبسِ التعزيريَّةُ بعدَ ذلك بتعويقِ المُذنِبِ عن التصرُّفِ والسيرِ في الأرض، وعقوبةُ الحبسِ يُلجَأُ إليها ضرورةً، وليستْ عقوبةً اختياريَّةً؛ ولهذا نسَخَها اللهُ حتى في الفاحشةِ ولو في المُحصَن، وجعَلَ مكانَها الرَّجْمَ له، والجَلْدَ والتغريبَ لغيرِ المُحصنِ.

وليس السَّجْنُ كما يَفعَلُهُ بعضُ الظَّلَمَةِ والطُّغَاةِ اليوم بالحبسِ في أَذْرُعٍ ضيِّقةٍ لا تتَّسِعُ إلا للنائمِ، وربَّما القاعد، وهذه عقوبةٌ فوقَ الحبسِ لا تجوزُ بحالٍ.


(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٥٠٠).
(٢) "تفسير الطبري" (٦/ ٥٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>