للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابنِ مسعودٍ، قال: "مَن صلَّى في السَّفَرِ أربعًا، أعادَ الصلاةَ" (١).

وهذا مُنكَرٌ، تفرَّدَ به غالبُ بن عُبَيْدِ الله، عن حَمَّادٍ، عنِ النَّخعيِّ، وغالبٌ متروكٌ.

ونسَبَ بعضُ الفقهاءِ لعائشةَ وجوبَ الإتمامِ في كلِّ سفرٍ، ولا يصحُّ عنها إنكارُ القصرِ بكلِّ حالٍ، ولم يقُلْ به أحدٌ مِن فقهاءِ التابعينَ الذين عُرِفُوا بالأخذِ عنها.

حكمُ اشتراطِ مفارقَةِ البنيانِ للقصرِ:

وقد عُلِّقَ القَصْرُ بالضرب في الأرضِ؛ كما في قوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}، والضَرْبُ في الأرضِ هو السفرُ، وأُطلِقَ في الآيهِ كما أطلِقَ في السُّنَّة ولم يُقيَّدْ بنصٍّ صحيحٍ صريحٍ؛ إحالةً للعُرْفِ، ولاختلافِ الُبُلْدانِ، ولسابقِ عِلم اللهِ بتغيُّرِ البُلْدانِ والمَراكِبِ، فلو قُيِّدَ بالأيَّامِ ولو يومًا، لكان دَوَرانُ الأرضِ كلِّها اليومَ لا يُعَدُّ سَفَرًا لاختِلافِ المَراكب، ولو قُيِّدَ بمفارَقةِ البُنْيان، لسَقَطت أحكامُ السفرِ لي كثيرٍ مِن بُلْدانِ الهندِ والصينِ؛ لطولِها مع اتِّصالِ بُنْيانِها، وفي الهندِ والصين اليومَ يَسيرُ الراكِبُ نهارًا كاملًا، ولا تنفَكُّ العينُ عن بناءٍ يَتْبَعُ بناءً، وأُطلِقَ الضَّرْبُ في الأرصِ؛ لأنَّ السفرَ بتلبَّسُ به كلُّ أحدٍ، فلا يحتاجُ إلى تقييدٍ؛ لاتضاحِه في العُرْفِ عندَهم.

ولم يُحفَظْ في زمَنِ النبوَّةِ أنَّ أحدَ الصحابةِ سألَهُ عن مسافةِ القصرِ مع قيامِ الحاجةِ وعمومِ البَلْوى، ولم يَظهَرْ أنَّ الصحابةَ اختَلَفُوا فيما بينَهم في حدِّ دلك اختلافًا يرَوْنَهُ يُعارِضُ ظاهرَ القرآنِ؛ وإنَّما تختلِفُ أقوالُهُمْ وأفعالُهُمْ بحسَبِ حالِهِمْ وحالِ السائلِ، وربَّما اختلفَتْ أقوالُهم لاختلافِهم في تفاضُلِ القصرِ والإتمامِ في السفر، لا في حقيقةِ السفرِ في ذاتِه.


(١) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٤٤٦٦) (٢/ ٥٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>