بصناعةِ السلاحِ: أنَّهم أحرَصُ الناسِ على الحياةِ، فيُريدونَ الحفاظَ عليها، والمؤمنونَ أحرَصُ الناسِ على الموتِ، فلا يَحرِصونَ على أسبابِ الحياةِ، لهذا ينتصرُ المسلِمونَ بالإقدامِ أكثرَ مِن السلاحِ.
وإنْ جازَ هذا النوعُ مِن البيعِ، فمِن بابِ أولى جوازُ البيعِ الذي ينتفِعُ به المسلِمُ أكثرَ مِن الحربيِّ.
النوعُ الثاني: بيعٌ ينتفِعُ له الحربيُّ أكثرَ مِن المسلمِ، فهذا أدْناهُ الكراهةُ، وأعلاهُ التحريمُ، وربَّما الكفرُ؛ فمَن باعَ عليهم شيئًا لا ينتفِعُ به انتفاعًا كبيرًا كمَنْ يشترِي لنفسِهِ الكماليَّاتِ لِيَسُدَّ لهم الحاجيَّاتِ والضروريَّاتِ؛ فهذه تقويةٌ لهم، فإنَّهم لم يكونوا مُحارِبينَ إلا وقد وَجَدُوا مَنَعَةً وقوةً في المالِ، وسدًّا في الحاجةِ، فمَنَعُوا الجِزْيَةَ، واستعَدُّوا للقتالِ، ولو احتاجُوا، لَنَزَلُوا تحتَ حُكْمِ المسلِمِينَ.
وبمقدارِ علوِّهم ومَنَعَتِهم بمِثْلِ هذا البيعِ: يزدادُ النهيُ كراهةً فتحريمًا، ومِن أعلى مراتبِ التحريمِ: بيعُهُمُ السلاحَ لِيُقاتِلُوا به المسلِمينَ، فقد يَصِلُ ذلك بصاحِبِهِ إلى الكفرِ، إذا لم يكنْ للمسلِمينَ انتفاعٌ مقبولٌ يُقابِلُ بيعَ السلاحِ، يكونُ أكبرَ مِن انتفاعِ المشركِينَ بالسلاحِ وأعظَمَ.
الشراكةُ بين المسلِمِ والكتابيِّ:
وقد اختَلَفَ العلماءُ في الشراكةِ بينَ المسلمِ والمُعاهَدِ، مع اتِّفاقِهم على جوازِ البيعِ وصِحَّتِهِ بينَهما؛ لأنَّ الشراكةَ دائمةٌ لا بيعٌ عارِضٌ، اختَلَفُوا في ذلك على أقوالٍ:
الأولُ: قال أبو حنيفةَ بعدمِ الجوازِ؛ وهو قولُ محمدِ بنِ الحسنِ.
الثاني: قالوا بالجوازِ إذا كان المسلمُ هو المتصرِّفَ بالبيعِ والشراءِ؛ وبهذا قال مالكٌ وأحمدُ في روايةٍ، وجوَّزَ الشراكةَ أبو يوسُفَ بلا قيدٍ.