للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإيناسُ، ويتحقَّقُ ببعضِهم، ولأنَّهم لو سلَّمُوا جميعًا لم يَحصُلِ المقصودُ الذي يُعلِّلُ به مَن يقولُ بوجوبِ التحيَّةِ على كلِّ واحدٍ منهم، وهو الإشعارُ بالأمانِ والمودَّةِ والإيناسِ؛ فلو دخَلَ عشَرةٌ مجلسًا في وقتٍ واحدٍ، وسلَّمُوا كلُّهم، لم يَعرِفْ أهلُ المجلسِ مَن سلَّمَ منهم ممَّن لم يُسلِّمْ لِتداخُلِ أصواتِهم بعضِها ببعضٍ.

ولا خلافَ أنَّه يُستحَبُّ لكلِّ فردٍ مِن الجماعةِ الداخِلِينَ أنْ يُسَلِّمَ عندَ دخولِه ولو سَلَّمَ غيرُه.

يُجْزِئُ ردُّ التحيَّةِ من البعضِ عن الكلِّ:

وردُّ التحيَّةِ واجبٌ بلا خلافٍ كما تقدَّمَ، وإنْ كانوا جماعةً، أسقَطَ البعضُ المُشعِرُ بالأمانِ والإيناسِ الوجوبَ عن الباقِينَ، فلو كانوا حماعةً وسَلَّمَ عليهم جماعةً فردٌ واحدٌ مِن الجماعةِ فقطْ، لم يكنْ مُشعِرًا بالأمانِ ولا الإيناسِ؛ بل يُشعِرُ بالوَحْشةِ والنفورِ، إلَّا إنْ كان له سُلْطانٌ على المكانِ كصاحِبِ الدارِ أو أميرِ القوم، وفي غيرِ ذلك يأثَمُ مَن لم يُسلِّمْ، ولكنْ لو رَدَّ منهم مَن يَظهَرُ به النيابةُ عن الجماعة، أجزَأَ، وبذلُ التحيةِ

مِن الواحدِ مِن الجماعةِ الداخِلينَ أيسَرُ مِن ردِّ الواحدِ مِن الجماعةِ المدخولِ عليهم؛ لأنَّ العادةَ أنَّ أهلَ المجلِسِ الواحدِ أمرُهُمْ واحدٌ، وقد ينوبُ عنهم قلةٌ منهم، بخلافِ الداخِلِينَ؛ فليس مِن العادةِ أنَّ أَمْرَهم واحدٌ؛ فربَّما توافَقُوا في الدخولِ ولا يَعرِفُ بعضُهم بعضًا، إلَّا وفودَ القبائلِ والتجارةِ والعملِ ونحوَ ذلك.

وذهَبَ بعضُ الفُقهاءِ: إلى أنَّ ردَّ التحيَّةِ واجبٌ على الأعيانِ؛ وهو قولُ أبي يوسُفَ صاحِبِ أبي حنيفةَ.

والجمهورُ على خلافِ قولِه وظاهرُ حالِ السلفِ وما جَرَتْ عليه عادةُ الناسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>