نَفْيِه، ومَن زعَمَ ذلك، فهو مكابِرٌ، يقولُ بلسانهِ ما يستيقنُ قلبُهُ بنقيضِه، أو يقدِّمُ الشكَّ؛ لأنَّه يُشبعُ غريزتَه وهواهُ، على اليقين، الذي يَحرِمُه منها، فيُكابِرُ اليقينَ ويُعْطيهِ ويُظهِرُ الشَّكَّ؛ ليَجعلَه بمرتبةِ اليقينِ.
واللهُ نهى عن تغييرِ خلقِ اللهِ مِن بدَنِ الإنسان، وقد تُقطَعُ جوارحُ الإنسانِ مِنَ الفِطْرةِ الجسديَّةِ ويَبقى البدنُ حيًّا، وقد تُقطَعُ شرائعُ الدِّينِ ويُعصَى الله بتَرْكِها لا بِجَحْدِها ويَبقَى الدِّينُ، ولكنَّ قلبَ الإنسانِ لو نُزعَ، ماتَ ولا يُمكِنُ أن يُقالَ لِحياتِه، وكذلك قلبُ الدينِ في الفِطْرةِ العقليَّةِ والنفسيَّةِ: الإقرارُ بربوبيّةِ الله، ثُمَّ حقِّه في العبادة، وتفرُّدُ الخالقِ بخَلْقِه لا يُقطَعُ مِنَ الفِطْرةِ العقليَّةِ النفسيةِ إلَّا بموتِ العقل، وهو الجنودُ، ثمَّ يَبقى حقُّ اللَّهِ في العبادةِ وصِفَةُ العبادةِ المأمورِ بها يَقوى في الشرعِ مع الطَّبع، منها ما يصحُّ الجهلُ بها مع سلامةِ العقل، ومنها ما لا يصحُّ الجهلُ بها؛ لتمكُّنِها بالفِطْرةِ أقوى مِنَ الشِّرْعةِ؛ وهذا على تفصيل طويلٍ بينَّاهُ في كتابِ مُفرَدٍ في "حُكْمِ العُذْرِ بالجَهْلِ".
حدودُ تحريمِ تغييرِ خلقِ اللهِ:
وقوله: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾، المرادُ بالخَلْقِ المحرَّمِ تغييرُهُ: ما كان أصلُ الخَلْقِ عليه صحيحًا، وما يُولَدُ المخلوق عليه، وأمَّا تقليمُ الأظفارِ وحَلْقُ العانةِ ونَتفَ الإِبْط، فليس مِن إزالةِ الفِطْرةِ؛ لأنَّه لا يُولَدُ به الإنسانُ، ويَندُرُ أن يولَدَ الإنسانُ على شيءٍ ثُمَّ يُؤمَرَ بإزالتِه؛ كالخِتَان، وهو: إزالةُ القُلْفَةِ على الذَّكَر، وما يُولَدُ عيه الإنسانُ، فالأصلُ جوازُ أخذِه؛ كالشَّعرِ والظُّفُر، إلَّا بدليل يدلُّ على إبقائِه، كاللِّحْية، وما وُلدَ عليه الإنسانُ، فالأصلُ: تحريم أخذِهِ إلَّا ما دلَّ الدليلُ على أخذِهِ؛ كقُلْفَةِ الذَّكَرِ.
والقاعدةُ في تصرُّفِ الإنسانِ في نفسِهِ كالقاعدةِ في تصرُّفِهِ في الحيوان، وبقيودِها.