للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الأعرابيُّ لم يُفرِّقْ بينَ المنافقِ والفاسق، فاستنكَرَ على حُذَيْفةَ قِلَّةَ عدَدِهم المذكورِ مع كثرةِ الفُسَّاقِ مِن السُّرَّاقِ وقُطَّاعِ الطريق، فبَيَّنَ له حذيفةُ أنَّ أولئك فُسَّاقٌ، وفَرْقٌ بينَ المنافقِ والفاسقِ.

* * *

قال تعالى: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَو كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ} [التوبة: ٥٣].

عُرِفَ المُنافِقونَ بالشُّحّ، ولكنْ قد يقَعُ منهم نَفَقةٌ؛ إمَّا كَرْهًا؛ خوفًا مِن لائمةِ المؤمنينَ، أو خشيةَ الدَّوَائِر، أو طَوْعًا؛ رغبةً في غنيمةٍ، أو حبًّا لجاهٍ وسُمْعةٍ، وإنَّ نفَقتَهم تلك لن يَقبَلَها الله منهم في الآخِرة، وإنْ نَفَعَتْهم في الدُّنيا، فهو نفعٌ عاجلٌ منقطِعٌ، لا آجِلٌ دائمٌ.

قَبُولُ نَفَقةِ المُنافِقِ:

وتدُلُّ الآيةُ بدَلَالةِ الخِطابِ على جَوَازِ قَبُولِ نفقةِ المُنافِقينَ، ولم يَكُنِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَمنَعُ عطيَّتَهُمْ وهديَّتَهم ونفقتَهم؛ وذلك لأنَّهم يُؤاخَذونَ بما ظهَرَ منهم وأعلَنُوهُ، لا بما يُخْفُونَهُ أو يَكذِبونَهُ ولو قالوه، ويَظهَرُ قَبولُها منهم بقولِهِ تعالى بعدَ ذلك: {وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: ٥٤]؛ يعني: أنَّهم أنفَقوا وأُخِذَتْ منهم عن كُرْهٍ.

وتُقبَلُ صَدَقةُ المنافِقِ؛ بشرطِ ألَّا تكونَ يدُهُ العُلْيا فيها، فيقودَ المؤمنينَ إلى ما لا يَرْضَوْنَ مِن عداوةٍ وقتالٍ، وسَلْمٍ أو حربٍ، فإنْ كان كذلك، لم يَجُزْ، وأمَّا إنْ كانتْ حالُ المؤمنينَ كحالِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وخلفائِه؛ يَدُهُمْ هي العُلْيا الآمِرةُ، ولم تَكُنْ نَفَقةُ المُنافِقينَ تجعَلُهم يَسُودُونَ ويأمُرونَ ويَنهَوْنَ، ويُقدِّمونَ ويُؤخِّرونَ، فإنَّ ذلك جائزٌ، بل قد يكونُ ذلك مستحَيًّا إن كان فيه دفعٌ لعَدَاوتِهم الباطنة، وتأليفٌ لقلوبِهم، وإشعارُهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>