للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الناسِ مِن كونِهِ خارجَ المِصْرِ في السفرِ أو غيرِه؛ لأنَّ المسافرَ يَقْدِرُ على الحِيطةِ بالسفرِ نهارًا وبسلاحٍ ورُفْقةٍ، وأمَّا في الحلّ، فالأصلُ عدمُ الاحتياط، والاحتياطُ مِن هذا شاقٌّ، وقطعُ السبيلِ في الحَصَرِ وتخويفُ الناسِ أشَدُّ في تحقُّقِ الإفسادِ مِن السفر.

ومَن تأمَّلَ كلامَ السلف، وجَدَ أنَّهم لا يُقيِّدونَ ذلك بالسفر، وإنَّما غلَبَ استعمالُ ألفاظٍ تُوهِمُ السفرَ؛ لأنَّ عادةَ المُحارِبينَ البُعْدُ عن المدنِ خوفَ الغوثِ والنُّصْرةِ واللَّحَاقِ بهم، وكلامُهم تعليقٌ للحالِ بالأغلبِ.

واشترَطَ الشافعيُّ في الحِرَابةِ في المِصْرِ والبلدِ: أنْ يكونَ للمحارِبةِ شوكةٌ تَقهَرُ مع انقطاعِ الغوث، وهذا المعنى صحيحٌ، فإنَّه لا يُتصوَّرُ خوفُ مَن أُخِذَ مالُهُ مِن جيبِه في السوقِ أو في طريقِ الناسِ.

قصدُ التخويفِ في الحِرابةِ:

ولا يُشترَطُ في الحِرابةِ السلاحُ؛ فإنَّ الخوفَ يتحقَّقُ بقطعِ الطريقِ والخطفِ وما يَتْبَعُ ذلك مِن مَظِنَّةِ الخنقِ أو الضربِ أو الحرقِ؛ وإنَّما الشرطُ الذي يتحقَّقُ معه وصفُ الحِرابةِ: القوةُ والقهرُ.

واشترَطَ السلاحَ أبو حنيفةَ خلافًا لجمهورِ العلماءِ.

حُكْم المحارِبِ:

وقولُ اللهِ تعالى: ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا أَو يُصَلَّبُوا أَو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَو يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾:

وحُكْمُ المحارِب كما في الآية، وجاءتْ على التخييرِ ابتداءً بالأشدّ، وهو القتلُ والصَّلْبُ، وتوسُّطًا بالقطع، وانتهاءً بالأخَفّ، وهو النفيُ منِ الأرضِ؛ يعني: الأبعادَ مِن أرضِ أهلِه، ليَغترِبَ عنهم؛ وهذا مِن عقوبةِ النفسِ والمعنى، وما قبلَهُ عقوبةُ الحِسِّ.

ولا يَختلِفُ السلفُ: أنَّ الحِرابةَ إن كان فيها قتلٌ أنَّ المُحارِبَ يُقتَلُ، واختلَفَ كلامُهم في الصَّلبُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>