للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (١٢)[الأنفال: ١٢].

بثُّ الرعبِ في المُحارِبينَ وإرهابُهم:

في قوله تعالى: ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ دليلٌ على جوازِ تخويفِ الكافِرِينَ المُحارِبِينَ وإرهابِهم بالأقوالِ والأعمالِ التي تُضعِفُ عزائمَهم، وتَهزِمُ نفوسَهم أمامَ المؤمنِينَ، وإنَّما كان إرهابُ الكفَّارِ المُحارِبينَ وترعيبُهم مشروعًا؛ لأنَّ الطمعَ والاغتِرارَ بالقوَّةِ تجعلُ صاحِبَ الباطلِ يَعتدٌّ بباطلِه، وتسوِّلُ له نفسُه أنه على حقٍّ، فإذا خافَ، زالَ ما كان تتستَّرُ به النفسُ مِن القوَّة، فرَأتِ الحقَّ وتجلَّى لها، فقَبِلَتْ وأذعنَتْ، وكثيرٌ مِن النفوسِ تُعرِضُ عن الحقِّ اغتِرارًا بقوَّتِها وسيادتِها وعزَّها وتمكينِها وجاهِها، وتخافُ إن أسلَمَتْ واتَّبعَتِ الحقَّ أن تَفقِدَهُ، فتَصبِرُ على الباطل، وتُشرِّعُهُ وتُكابِرُ في ذلك؛ ولهذا وُجِدَ في الملوكِ والرؤساءِ مَن اْقَرَّ بالحق وصدَّقَ برسالةِ محمدٍ، ولكنَّه خاف مِن زوالِ سيادتِهِ بإيمانِه، ومنهم مَن آمَنَ وأخفى إيمانَه، فجاءَ الإسلامُ ليَكسِرَ طمعَ النفوسِ وقوَّتَها؛ لينكسِرَ تَبَعًا له صنمُ الهوى، الذي يُبنَى في قلوبِهم في صورةِ حقِّ.

وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على جوازِ الإثخانِ في الكافرينَ المُحارِبينَ كيفما اتَّفَقَ؛ إذْ لا حُرْمةَ لِدَمِهم، ولا عِصْمة لمالِهم، فيُضرَبُ المُحارِبُ بمَقَاتِلِهِ ولا يُتَوَقَّى شيءٌ منه، وإنَّما دكَرَ الله الأعناقَ؛ لأنَّها أسرَعُ في الموت، فقال، ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاق﴾؛ يعني: الأعناقَ وما فوقَها، ومِن ذلك قولُهُ تعالى: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ [النساء: ١١]؛ يعني: اثنتَيْنِ وما فوقَهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>