للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلَّلَ بعضُ العلماءِ تحريمَ أخذِ ذوي القُرْبى الزكاةَ برفعِ يدِ الأَدنى عن الأَعلى؛ يَعني: لا تعلو يدُ غيرِ ذوي القُرْبى عليهم، وتَبَعًا لذلك أجازَ أَخْذَ بني هاشمٍ الزكاةَ مِن بني هاشمٍ، وظاهرُ الحديثِ تعليلُ الزكاةِ بأوساخِ الناسِ لا لمجرَّدِ علوِّ اليد، وعلوُّ اليدِ قد يثبُتُ بغيرِ الزكاة، فلم تحرَّمْهُ الشريعةُ؛ كفعلِ المعروفِ وقضاءِ الحاجةِ؛ فإنَّ النبيَّ قال كما في "الصحيحَينِ": (كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ) (١)، وسمَّى اللهُ بَذْلَ الحقِّ لأهلِه والعفوَ والصَّفْحَ صدقةً؛ قال اللهُ تعالى: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥]، وسمَّى إنظارَ المُعْسِرِ والتخفيفَ عنه صدَقةً؛ قال تعالى: ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرةْ ٢٨٠]، وإنَّما تحرُمُ زكاةُ الأموالِ خاصَّةً، لا سائرُ الإعاناتِ والهِبَاتِ وقضاءِ الحاجاتِ.

والصحيحُ مِن مذهبِ الشافعيَّةِ والحنابلةِ والحنفيَّةِ: جوازُ أخذِ ذوي القُرْبى صدَقةَ التطوُّعِ مطلَقًا.

صدَقةُ التطوُّعِ للنبيِّ -:

وقد امتنعَ النبيُّ عن قَبُولِ صدَقةِ التطوُّع؛ لأنَّ النبيَّ يُثِيبُ على العطيَّة، ولو كانت هَدِيَّةً، ، لأثابَ عليها، ولكنَّها صدَقةٌ، والصدَقةُ لا يُثابُ عليها؛ لأنَّ مُنفِقَها يبتغي بها وجهَ اللهِ خالصةً له، ويجوزُ لي الهَدِيةِ مِن طلبِ الوُدِّ الخاصِّ والمحبَّةِ الخاصَّةِ والمكافأةِ ما لا يجوزُ في الصدَقةِ.

وعامَّةُ الفُقَهاءِ على أنَّ النبيَّ لا تَحِلُّ له صدَقةُ التطوُّعِ؛ كما أنَّها لا تَحِلُّ له الزكاةُ المفروضةُ، ومنهم: مَن حكَى الإجماعَ على ذلك


(١) أخرجه البخاري (٦٠٢١) عن جابر، ومسلم (١٠٠٥) عن حذيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>