للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء: ٧١].

الحَذرُ من العدوِّ، والنهيُ عن الخوف منه:

في الآيةِ أمَرَ الله بالحَذَر، وهذا يتضمَّنُ إعدادَ العَدَدِ والعُدَّةِ؛ فلا يكونُ حَذِرًا مَن لم يُعِدَّ ذلك؛ فالحَذَرُ ليس معنًى يكفي قيامُهُ بالنفس، بل لا بدَّ مِن إضافةِ ما يحمِيها مِن غيرِها.

وفي الآية: الأمر بالنفِيرِ بعدَ أخذِ الحذرِ، وليس الأمرَ بالنفيرِ بلا حذرٍ، ولا الحذرِ مع قعودٍ عندَ قيامِ موجب النفيرِ.

واللهُ يأمُرُ بالحذرِ في كتابِهِ وينهَى عن الخوفِ؛ لأنَّ الخوف يورِث الجُبنَ والتقهقُرَ والفِرارَ مِن العدوِّ، وأمَّا الحذرُ فيُورِث الثباتَ وحِفْظَ النفسِ والنكايةَ في العدوِّ، والحذرُ هو توقُّعُ السُّوءِ والتحسُّبُ به والحياطةُ منه.

وقولُه تعالى: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾: والثُّبَاتُ: جمعُ ثبَةٍ، والثُّبَةُ: العُصبَة والجماعةُ المُنفرِدة؛ ومنه قول الشاعرِ:

وَقَدْ أَغْدُو عَلَى ثُبَةٍ كِرَامٍ … نَشاوَى وَاجِدِينَ لِمَا نَشاء

والمعنى: انْفروا جماعةً واحدةً، أو فِرَقًا وسَرَايَا وعصاباتٍ؛ روى عليٌّ، عن ابنِ عباسٍ؛ في قوله: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ﴾: "يعني: عُصَبًا سرايا متفرقين"، وبنحوِه قال قتادةُ وعطاء الخراساني والضحاك (١).

وروى علي، عن ابنِ عبَّاسٍ أيضًا؛ في قوله: ﴿أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾؛ "يعني: كلكم"؛ رواه ابن جريرٍ وابنُ أبي حاتمٍ (٢).


(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٢١٨ - ٢١٩)، و "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٩٨).
(٢) "تفسير الطبري" (٧/ ٢١٨)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>